ولا مفهوما ، كما هو واضح (١) ، إلّا أن يرجع إلى ما ذكرنا فيما إذا كان الأمر بأحدهما بالملاك الأوّل من أنّ الواجب هو الواحد الجامع بينهما. ولا أحدهما معيّنا مع كون كلّ منهما مثل الآخر في أنّه واف بالغرض. [ولا كلّ واحد منهما تعيينا مع السقوط بفعل أحدهما ، بداهة عدم السقوط مع إمكان استيفاء ما في كلّ منهما من الغرض وعدم جواز الإيجاب كذلك مع عدم إمكانه (٢)] ، فتدبّر.
بقي الكلام في أنّه هل يمكن التخيير عقلا أو شرعا بين الأقلّ والأكثر ، أو لا؟ ربما يقال ب «أنّه محال ، فإنّ الأقلّ إذا وجد كان هو الواجب لا محالة ولو كان في ضمن الأكثر ، لحصول الغرض به ، وكان الزائد عليه من أجزاء الأكثر زائدا على الواجب».
لكنّه ليس كذلك ، فإنّه إذا فرض أنّ المحصّل للغرض فيما إذا وجد الأكثر هو الأكثر ، لا الأقلّ الّذي في ضمنه ـ بمعنى أن يكون لجميع أجزائه حينئذ دخل في حصوله ، وإن كان الأقلّ لو لم يكن في ضمنه كان وافيا به أيضا (٣) ـ فلا محيص عن التخيير بينهما ، إذ تخصيص الأقلّ بالوجوب حينئذ كان بلا مخصّص ، فإنّ الأكثر بحدّه يكون مثله على الفرض ، مثل أن يكون الغرض الحاصل من رسم الخطّ مترتّبا على الطويل إذا رسم بما له من الحدّ ، لا على القصير في ضمنه ، ومعه كيف يجوز تخصيصه بما لا يعمّه؟ ومن الواضح كون هذا الفرض بمكان من الإمكان.
إن قلت : هبه في مثل ما إذا كان للأكثر وجود واحد لم يكن للأقلّ في ضمنه وجود على حدة (٤) ـ كالخطّ الطويل الّذي رسم دفعة بلا تخلّل سكون في البين ـ ، لكنّه ممنوع فيما كان له في ضمنه وجود (٥) ـ كتسبيحة في ضمن تسبيحات ثلاث ،
__________________
(١) الضمير يرجع إلى قوله : «ولا مفهوما».
والوجه في كونه واضحا أنّ الأمر لا يتعلّق إلّا بما يكون مورد الأثر والغرض ، ومعلوم أنّ الغرض لا يترتّب على مفهوم أحدهما أو أحدها ، بل انّما يترتّب على واقع أحدهما أو أحدها.
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في النسخة الأصليّة.
(٣) وبتعبير آخر : إنّ الأقلّ محصّل للغرض إذا وجد بحدّه ، ولا يكون محصّلا للغرض إذا وجد في ضمن الأكثر ، بل المحصّل حينئذ هو الأكثر.
(٤) أي : وجد الأكثر دفعة.
(٥) أي : وجد الأكثر تدريجا.