واستحالة طلبه من الحكيم الملتفت إلى محاليّته لا تختصّ بحال دون حال ، وإلّا لصحّ فيما علّق على أمر اختياريّ في عرض واحد بلا حاجة في تصحيحه إلى الترتّب ، مع أنّه محال بلا ريب ولا إشكال.
إن قلت : فرق بين الاجتماع في عرض واحد والاجتماع كذلك (١) ، فإنّ الطلب في كلّ منهما في الأوّل يطارد الآخر ، بخلافه في الثاني ، فإنّ الطلب بغير الأهمّ لا يطارد طلب الأهمّ ، فإنّه يكون على تقدير عدم الإتيان بالأهمّ ، فلا يكاد يريد غيره على تقدير إتيانه وعدم عصيان أمره.
قلت : ليت شعري كيف لا يطارده الأمر بغير الأهمّ؟ وهل يكون طرده له إلّا من جهة فعليّته ومضادّة متعلّقه للأهمّ؟ والمفروض فعليّته ومضادّة متعلّقه له. وعدم إرادة غير الأهمّ على تقدير الإتيان به (٢) لا يوجب عدم طرده لطلبه مع تحقّقه على تقدير عدم الإتيان به وعصيان أمره ، فيلزم اجتماعهما على هذا التقدير مع ما هما عليه من المطاردة من جهة المضادّة بين المتعلّقين. مع أنّه يكفي الطرد من طرف الأمر بالأهمّ ، فإنّه ـ على هذا الحال ـ يكون طاردا لطلب الضدّ ، كما كان في غير هذا الحال ، فلا يكون له معه أصلا بمجال(٣).
إن قلت : فما الحيلة فيما وقع كذلك من طلب الضدّين في العرفيّات؟
قلت : لا يخلو إمّا أن يكون الأمر بغير الأهمّ بعد التجاوز عن الأمر به وطلبه حقيقة(٤) ، وإمّا أن يكون الأمر به (٥) إرشادا إلى محبوبيّته وبقائه على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة ، وأنّ الإتيان به يوجب استحقاق المثوبة ، فيذهب بها (٦) بعض ما استحقّه من العقوبة على مخالفة الأمر بالأهمّ ، لا أنّه أمر مولويّ فعليّ كالأمر به (٧) ، فافهم وتأمّل جيّدا.
__________________
(١) أي : بنحو الترتّب والطوليّة.
(٢) أي : بالأهمّ.
(٣) أي : فلا يكون لطلب المهمّ مع طلب الأهمّ مجال.
(٤) أي : بعد الإعراض ورفع اليد عن الأمر بالأهمّ حقيقة. وحينئذ فلو لم يأت بالأهمّ لا أمر إلّا بالمهمّ ، فليس هنا أمران بالضدّين كي يصحّح اجتماعهما بالترتّب.
(٥) أي : الأمر بغير الأهمّ.
(٦) أي : المثوبة.
(٧) أي : كالأمر بالأهمّ الّذي كان مولويّا.