درس کفایة الاصول - اوامر

جلسه ۱۷۱: اوامر ۹۷

 
۱

خطبه

۲

بیان سه نکته

نکته اول: بنا بر قول میرزای قمی، هم واجب نفسی و هم واجب غیری، گاهی متصف به اصلی و گاهی متصف به تبعی می‌شوند.

به عبارت دیگر، واجب بر دو نوع است: ۱. نفسی و خود بر دو نوع اصلی و تبعی است. ۲. تبعی و خود بر دو نوع اصلی و تبعی است.

مثال نفسی اصلی: مثل اقیموا الصلاة.

مثال نفسی تبعی: مثلا اگر نجاستی در چاه افتاد و کشیدن تمام آب چاه لازم بود و این چاه در حال جوشش است که باید تراوح با چهار مرد باشد و این در خطاب آمده است، حال زوجیت افراد، لازمه آن است و این واجب تبعی خطاب است.

مثال غیری اصلی: فاغسلوا وجوهکم و ایدیکم الی المرافق.

مثال غیری تبعی: مولا می‌گوید به پشت بام برو و نصب نربان، واجب تبعی است و لازمه خطاب.

نکته دوم: صاحب کفایه می‌فرماید، تقسیم واجب به اصلی و تبعی، به لحاظ ثبوت است نه مقام اثبات و دلالت. چون:

صغری: اگر این تقسیم به لحاظ مقام اثبات باشد، لازمه‌اش این است که این تقسیم، حاصر نباشد و تمامی واجبات را در بر نگیرد.

مثلا اگر ادله لبی قائم شوند که چیزی واجب است، نه اصلی است چون خطابی در کار است و نه تبعی چون خطابی نیست که لازمه آن باشد.

کبری: و اللازم باطل لانه خلاف ظاهر. چون ظاهر تقسیم واجب به دو نوع این است که همه واجبات اینگونه بایند باشند.

نتیجه: فالملزوم مثله.

نکته سوم: سوال: اگر درباره یک واجب شک شود که اصلی است یا تبعی، وظیفه چیست؟

جواب: درباره تعریف واجب تبعی، دو تعبیر است:

الف: ما لم یتعلق به ارادة مستقلة، طبق این تعبیر، مقتضای استصحاب، تبعی بودن واجب است.

ب: ما تعلق به ارادة غیر مستقلة، طبق این تعبیر، با استصحاب، تبعی بودن ثابت نمی‌شود، چون اصل مثبت می‌شود.

۳

ثمره مبحث مقدمه واجب

سوال: آیا مسئله مقدمه واجب، ثمره دارد یا خیر؟

جواب: برای این مسئله، چهار ثمره ذکر شده است که ثمره اول مقبول و بقیه مردود می‌باشد:

اول: وجوب مقدمه؛ مثل گفته می‌شود المشی مقدمة الحج و الحج واجب فالمشی مقدمة الحج و المقدمة واجبة فالمشی واجبة.

دوم: اگر مقدمه واجب، واجب باشد، در صورتی که مکلف اتیان یک واجب را نذر کرده باشد، با انجام مقدمه، بریء الذمه می‌شود. چون واجب را انجام داده است.

سوم: اگر مکلف یک واجبی را که مقدمات کثیره دارد، با تمامی مقدماتش ترک کند، فسق برای او حاصل می‌شود.

چهارم: اگر مقدمه واجب، واجب باشد، اخذ اجرت در مقابل مقدمه حرام می‌باشد.

۴

تطبیق بیان سه نکته

(استدراک لا شبهة که نفسی متصف به تبعی نمی‌شود:) نعم، لو كان الاتّصاف بهما (اصلی و تبعی) بلحاظ الدلالة (دلالت دلیل - اثباتی که نظریه محقق قمی است) اتّصف النفسيّ بهما (اصلی و تبعی) أيضا (مثل واجب غیری)، ضرورة أنّه (واجب نفسی) قد يكون غير مقصود بالإفادة (رساندن از کلام)، بل افيد بتبع غيره (واجب نفسی) المقصود بها (افاده).

لكنّ الظاهر ـ كما مرّ ـ أنّ الاتّصاف بهما (اصلی و تبعی) إنّما هو (اتصاف) في نفسه (واجب)، لا بلحاظ حال الدلالة (دلالت دلیل) عليه (واجب)، وإلّا (اگر به لحاظ حال دلالت دلیل باشد) لما اتّصف بواحد منهما (تبعی و اصلی) إذا لم يكن (واجب) بعد مفاد دليل، وهو (عدم اتصاف) كما ترى (چون وقتی گفته می‌شود واجب بر دو نوع است، همه واجبات منظور است).

ثمّ إنّه إذا كان الواجب التبعيّ ما (واجبی که) لم يتعلّق به (واجب) إرادة مستقلّة (اولا و بالذات - اصیله) فإذا شكّ في واجب أنّه (واجب) أصليّ أو تبعيّ، فبأصالة (استصحاب) عدم تعلّق إرادة مستقلّة به (واجب) يثبت أنّه (واجب) تبعيّ ويترتّب عليه (واجب تبعی) آثاره (واجب تبعی) إذا فرض له آثار شرعيّ، كسائر الموضوعات المتقوّمة بامور عدميّة (مثل آب قلیل که آب عدم کثیر است). نعم، لو كان التبعيّ أمرا وجوديّا خاصّا غير متقوّم بعدميّ ـ وإن كان (عدمی) يلزمه (وجودی را) ـ لما كان يثبت (تبعی) بها (اصالت) إلّا على القول بالأصل المثبت، كما هو واضح، فافهم.

۵

تطبیق ثمره مبحث مقدمه واجب

في بيان الثمرة [في مسألة مقدّمة الواجب]

وهي (ثمره) في المسألة الاصوليّة ـ كما عرفت سابقا ـ ليست إلّا أن تكون نتيجتها (مسئله) صالحة للوقوع في طريق الاجتهاد واستنباط حكم فرعيّ. كما لو قيل بالملازمة في المسألة، فإنّه بضميمة مقدّمة كون شيء مقدّمة لواجب، يستنتج أنّه (شیء) واجب.

ومنه (ضابطه در مسئله) قد انقدح أنّه ليس منها مثل بُرء (برائت) النذر بإتيان مقدّمة واجب عند نذر الواجب؛ وحصول الفسق بترك واجب واحد بمقدّماته (واجب) إذا كانت له مقدّمات كثيرة، لصدق الإصرار على الحرام بذلك؛ وعدم جواز أخذ الاجرة على المقدّمة.

الثبوت (١) ؛ حيث يكون الشيء تارة متعلّقا للإرادة والطلب مستقلّا ، للالتفات إليه بما هو عليه ممّا يوجب طلبه ، فيطلبه ، كان طلبه نفسيّا أو غيريّا ؛ واخرى متعلّقا للإرادة تبعا لإرادة غيره لأجل كون إرادته لازمة لإرادته من دون التفات إليه بما يوجب إرادته. لا بلحاظ الأصالة والتبعيّة في مقام الدلالة والإثبات (٢) ، فإنّه يكون في هذا المقام تارة مقصودا بالإفادة واخرى غير مقصود بها على حدة ، إلّا أنّه لازم الخطاب ، كما في دلالة الإشارة ونحوها (٣).

وعلى ذلك (٤) ، فلا شبهة في انقسام الواجب الغيريّ إليهما ، واتّصافه بالأصالة والتبعيّة كلتيهما ، حيث يكون متعلّقا للإرادة على حدة عند الالتفات إليه بما هو مقدّمة ، واخرى لا يكون متعلّقا لها كذلك عند عدم الالتفات إليه كذلك ، فإنّه يكون لا محالة مرادا تبعا لإرادة ذي المقدّمة على الملازمة.

كما لا شبهة في اتّصاف النفسيّ أيضا بالأصالة ، ولكنّه لا يتّصف بالتبعيّة ، ضرورة أنّه لا يكاد يتعلّق به الطلب النفسيّ ما لم تكن فيه مصلحة نفسيّة ، ومعها يتعلّق بها (٥) الطلب مستقلا ولو لم يكن هناك شيء آخر مطلوب أصلا ، كما لا يخفى.

نعم ، لو كان الاتّصاف بهما بلحاظ الدلالة اتّصف النفسيّ بهما أيضا ، ضرورة أنّه قد يكون غير مقصود بالإفادة ، بل افيد بتبع غيره المقصود بها.

لكنّ الظاهر ـ كما مرّ ـ أنّ الاتّصاف بهما إنّما هو في نفسه ، لا بلحاظ حال الدلالة عليه ، وإلّا لما اتّصف بواحد منهما إذا لم يكن بعد مفاد دليل ، وهو كما ترى.

ثمّ إنّه إذا كان الواجب التبعيّ ما لم يتعلّق به إرادة مستقلّة فإذا شكّ في واجب

__________________

(١) تبعا للشيخ الأعظم الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ٧٨.

(٢) كما ذهب إليه صاحبا الفصول والقوانين. ومال إليه السيّد الإمام الخمينيّ. فراجع الفصول الغرويّة : ٨٢ ، قوانين الاصول ١ : ١٠٠ ، تهذيب الاصول ١ : ٢٧٥.

(٣) كدلالة القضيّة الشرطيّة على مفهومها.

(٤) أي : وبناء على كون التقسيم بحسب مقام الثبوت.

(٥) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «يتعلّق به» ، فإنّ الضمير يرجع إلى النفسيّ.

أنّه أصليّ أو تبعيّ ، فبأصالة عدم تعلّق إرادة مستقلّة به يثبت أنّه تبعيّ ويترتّب عليه آثاره إذا فرض له آثار شرعيّ (١) ، كسائر الموضوعات المتقوّمة بامور عدميّة. نعم ، لو كان التبعيّ أمرا وجوديّا خاصّا غير متقوّم بعدميّ ـ وإن كان يلزمه ـ لما كان يثبت بها إلّا على القول بالأصل المثبت ، كما هو واضح ، فافهم.

الأمر الرابع

[في ما هو الواجب في باب المقدّمة]

لا شبهة في أنّ وجوب المقدّمة ـ بناء على الملازمة ـ يتبع في الإطلاق والاشتراط وجوب ذي المقدّمة ، كما أشرنا إليه في مطاوي كلماتنا (٢).

[مسلك صاحب المعالم وما فيه]

ولا يكون مشروطا بإرادته ، كما يوهمه ظاهر عبارة صاحب المعالم رحمه‌الله في بحث الضدّ ، قال : «وأيضا فحجّة القول بوجوب المقدّمة ـ على تقدير تسليمها ـ إنّما تنهض دليلا على الوجوب في حال كون المكلّف مريدا للفعل المتوقّف عليها ، كما لا يخفى على من أعطاه حقّ النظر» (٣).

وأنت خبير بأنّ نهوضها على التبعيّة (٤) واضح لا يكاد يخفى (٥) ، وإن كان نهوضها على أصل الملازمة لم يكن بهذه المثابة ، كما لا يخفى.

__________________

(١) هكذا في النسخ. والصحيح إمّا «آثار شرعيّة» أو «أثر شرعيّ».

(٢) راجع الصفحة : ١٨٦ ، حيث قال : «ثمّ الظاهر دخول المقدّمات الوجوديّة للواجب المشروط في محلّ النزاع أيضا ... غاية الأمر تكون في الإطلاق والاشتراط تابعة لذي المقدّمة».

(٣) معالم الدين : ٧١.

(٤) أي : التبعيّة في الإطلاق والاشتراط.

(٥) إذ الملاك في وجوب المقدّمة توقّف ذيها عليها ، وهو مستمرّ ، سواء أراد الإتيان بذي المقدّمة أم لا.

[مسلك الشيخ الأنصاريّ وصاحب الفصول ، وما فيهما]

وهل يعتبر في وقوعها على صفة الوجوب أن يكون الإتيان بها بداعي التوصّل بها إلى ذي المقدّمة (١) ـ كما يظهر ممّا نسبه إلى شيخنا العلّامة رحمه‌الله بعض أفاضل مقرّري بحثه (٢) ـ أو ترتّب ذي المقدّمة عليها بحيث لو لم يترتّب عليها لكشف (٣) عن عدم وقوعها على صفة الوجوب ـ كما زعمه صاحب الفصول رحمه‌الله (٤) ـ أو لا يعتبر في وقوعها كذلك شيء منهما؟

الظاهر عدم الاعتبار (٥).

__________________

(١) والفرق بين هذا المسلك ومسلك صاحب المعالم أنّ في الأوّل اعتبر قصد التوصّل إلى الغير قيدا للواجب بالوجوب الغيريّ ، وفي الثانيّ اعتبر قيدا لوجوب الواجب بالوجوب الغيريّ.

(٢) راجع مطارح الأنظار : ٧٢.

ولا يخفى : أنّ نسبة هذا القول إلى الشيخ غير صحيحة ، فإنّ كلامه في التقريرات من أوّله إلى آخره يأبى عن ذلك. بل يظهر من بعض كلامه وجوب ذات المقدّمة بما هي مقدّمة ، حيث قال : «إنّ الحاكم بوجوب المقدّمة هو العقل ، وهو القاضي فيما وقع من الاختلاف ، ونحن بعد ما استقصينا التأمّل لا نرى للحكم بوجوب المقدّمة وجها إلّا من حيث أنّ عدمها يوجب عدم المطلوب ... فملاك الطلب الغيريّ في المقدّمة هذه الحيثيّة ، وهي ممّا يكفي في انتزاعها عن المقدّمة ملاحظة ذات المقدّمة». مطارح الأنظار : ٧٥ ـ ٧٦.

وقال في كتاب الطهارة : ٢ : ٥٥ إنّ الوضوء في نفسه له عنوان واقعيّ راجح في ذاته ...».

اللهم إلّا أن يستفيد المصنّف من الشيخ في مجلس درسه أنّه ذهب إلى هذا القول.

(٣) وفي بعض النسخ : «يكشف».

(٤) الفصول الغرويّة : ٨١ ـ ٨٦. وقوّاه السيّد الإمام الخمينيّ في مناهج الوصول ١ : ٣٩٢ ـ ٤٠١ ، كما اختاره السيّد المحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٢ : ٤١٣ ـ ٤٢٤.

(٥) ووافقه المحقّق النائينيّ ، واستدلّ على استحالة الالتزام بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة بأنّه مستلزم للدور والتسلسل. ولكن ناقش فيه السيّدان العلمان : المحقّق الخوئيّ والإمام الخمينيّ بأحسن وجه. فراجع فوائد الاصول ١ : ٢٩٠ ، محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٤١٤ ـ ٤١٥ ، مناهج الوصول ١ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

أمّا عدم اعتبار قصد التوصّل : فلأجل أنّ الوجوب لم يكن بحكم العقل إلّا لأجل المقدّميّة والتوقّف ، وعدم دخل قصد التوصّل فيه واضح. ولذا اعترف (١) بالاجتزاء بما لم يقصد به ذلك (٢) في غير المقدّمات العباديّة لحصول ذات الواجب.

فيكون تخصيص الوجوب بخصوص ما قصد به التوصّل من المقدّمة بلا مخصّص ، فافهم.

نعم ، إنّما اعتبر ذلك في الامتثال ، لما عرفت (٣) من أنّه لا يكاد يكون الآتي بها بدونه ممتثلا لأمرها وآخذا في امتثال الأمر بذيها ، فيثاب بثواب أشقّ الأعمال. فيقع الفعل المقدّميّ على صفة الوجوب ولو لم يقصد به التوصّل كسائر الواجبات التوصّليّة ، لا على حكمه السابق الثابت له لو لا عرض صفة توقّف الواجب الفعليّ المنجّز عليه. فيقع الدخول في ملك الغير واجبا إذا كانت (٤) مقدّمة لإنقاذ غريق أو إطفاء حريق واجب فعليّ ، لا حراما ، وإن لم يلتفت إلى التوقّف والمقدّميّة. غاية الأمر يكون حينئذ (٥) متجرّئا فيه ، كما أنّه مع الالتفات يتجرّأ بالنسبة إلى ذي المقدّمة فيما لم يقصد التوصّل إليه أصلا. وأمّا إذا قصده ولكنّه لم يأت بها بهذا الداعي بل بداع آخر أكّده بقصد التوصّل ، فلا يكون متجرّئا أصلا.

وبالجملة : يكون التوصّل بها إلى ذي المقدّمة من الفوائد المترتّبة على المقدّمة الواجبة ، لا أن يكون قصده قيدا وشرطا لوقوعها على صفة الوجوب ، لثبوت ملاك الوجوب (٦) في نفسها بلا دخل له فيه أصلا ، وإلّا لما حصل ذات الواجب ولما سقط الوجوب به ، كما لا يخفى.

__________________

(١) أي : اعترف الشيخ الأنصاريّ ، حيث قال : «وقضيّة ذلك هو قيام ذلك الواجب مقامه» وقال :«انّما الإشكال في المقدّمة إذا كانت من الأعمال العباديّة الّتي يجب وقوعها على قصد القربة».

مطارح الأنظار : ٧٢.

(٢) أي : التوصّل إلى ذي المقدّمة.

(٣) في التذنيب الثاني : ٢١٢.

(٤) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «كان».

(٥) أي : حين عدم الالتفات إلى المقدّميّة.

(٦) وفي بعض النسخ : «لملاك ثبوت الوجوب ...».

ولا يقاس على ما إذا أتى بالفرد المحرّم منها ، حيث يسقط به الوجوب مع أنّه ليس بواجب ؛ وذلك لأنّ الفرد المحرّم إنّما يسقط به الوجوب لكونه كغيره في حصول الغرض به بلا تفاوت أصلا ، إلّا أنّه لأجل وقوعه على صفة الحرمة لا يكاد يقع على صفة الوجوب. وهذا بخلاف هاهنا (١) ، فإنّه إن كان كغيره ممّا يقصد به التوصّل في حصول الغرض فلا بدّ أن يقع على صفة الوجوب مثله ، لثبوت المقتضي فيه بلا مانع ، وإلّا لما كان يسقط به الوجوب ضرورة ، والتالي باطل بداهة ، فيكشف هذا عن عدم اعتبار قصده في الوقوع على صفة الوجوب قطعا ، وانتظر لذلك تتمّة توضيح.

والعجب أنّه (٢) شدّد النكير على القول بالمقدّمة الموصلة واعتبار ترتّب ذي المقدّمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب (٣) ـ على ما حرّره بعض مقرّري بحثه قدس‌سره ـ بما يتوجّه على اعتبار قصد التوصّل في وقوعها كذلك (٤) ، فراجع تمام كلامه «زيد في علوّ مقامه» وتأمّل في نقضه وإبرامه (٥).

وأمّا عدم اعتبار ترتّب ذي المقدّمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب : فلأنّه لا يكاد يعتبر في الواجب إلّا ما له دخل في غرضه الداعي إلى إيجابه

__________________

(١) هكذا في النسخ. والأولى أن يقول : «بخلاف ما هاهنا».

(٢) أي : الشيخ الأنصاريّ.

(٣) وهذا ما سلكه صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٨١ ـ ٨٢.

(٤) أي : على صفة الوجوب.

(٥) وملخّص ما أفاده ـ على ما في مطارح الأنظار : ٧٥ ـ أنّه استشكل على صاحب الفصول بثلاثة وجوه :

الأوّل : أنّ الوجه في حكم العقل بوجوب المقدّمة ليس إلّا أنّ عدم المقدّمة يوجب عدم المطلوب ، وهذه الحيثيّة لا تختصّ بالمقدّمات الموصلة ، بل تشترك فيها جميع المقدّمات.

الثاني : أنّ القول بوجوب المقدّمة الموصلة يستلزم القول بوجوب مطلق المقدّمة ، لأنّ الأمر بالمقيّد بقيد خارجيّ مستلزم للأمر بذات المقيّد.

الثالث : أنّ الوجدان يشهد بسقوط الطلب بعد وجودها من غير انتظار ترتّب ذي المقدّمة.

ولا يخفى عليك : أنّ هذه الوجوه بعينها واردة على القول المنسوب إلى الشيخ من اعتبار قصد التوصّل إلى ذي المقدّمة في وقوع المقدّمة على صفة الوجوب. ولكن قد مرّ الكلام في نسبته إلى الشيخ. بل ورودها عليه يؤيّد عدم صحّة النسبة.

والباعث على طلبه ، وليس الغرض من المقدّمة إلّا حصول ما لولاه لما أمكن حصول ذي المقدّمة ، ضرورة أنّه لا يكاد يكون الغرض إلّا ما يترتّب عليه من فائدته وأثره ، ولا يترتّب على المقدّمة إلّا ذلك (١) ، ولا تفاوت فيه (٢) بين ما يترتّب عليه الواجب وما لا يترتّب عليه أصلا ، وأنّه لا محالة يترتّب عليهما ، كما لا يخفى (٣).

وأمّا ترتّب الواجب ، فلا يعقل أن يكون الغرض الداعي إلى إيجابها والباعث على طلبها ، فإنّه ليس بأثر تمام المقدّمات ـ فضلا عن إحداها ـ في غالب الواجبات (٤) ، فإنّ الواجب إلّا ما قلّ في الشرعيّات والعرفيّات فعل اختياريّ يختار المكلّف تارة إتيانه بعد وجود تمام مقدّماته واخرى عدم إتيانه ، فكيف يكون اختيار إتيانه غرضا (٥) من إيجاب كلّ واحدة من مقدّماته مع عدم ترتّبه على تمامها (٦) ـ فضلا عن كلّ واحدة منها ـ؟

نعم ، فيما كان الواجب من الأفعال التسبيبيّة والتوليديّة كان مترتّبا لا محالة على تمام مقدّماته ، لعدم تخلّف المعلول عن علّته.

__________________

(١) أي : حصول ما لولاه لما أمكن حصول ذي المقدّمة.

(٢) أي : لا تفاوت في الغرض المذكور.

(٣) هذا هو الوجه الأوّل من الإيرادات الثلاثة الّتي أوردها المصنّف على مقالة صاحب الفصول.

ولكن أجاب عنه المحقّق الاصفهانيّ وادّعى أنّه لا يمكن أن يكون الغرض إلّا ما سلكه صاحب الفصول من ترتّب ذي المقدّمة على المقدّمة. وذلك لأنّ الغرض الأصيل حيث يترتّب على وجود المعلول فالغرض التبعيّ من أجزاء علّته هو ترتّب وجوده على وجودها إذا وقعت على ما هي عليه من اتّصاف السبب بالسببيّة والشرط بالشرطيّة وفعليّة الدخل في تأثير المقتضي. فوقوع كلّ مقدّمة على صفة المقدّميّة ملازم لوقوع الاخرى على تلك الصفة ووقوع ذيها في الخارج. فالمطلوب بالتبع ليس إلّا المقدّمة الّتي لا تنفكّ عن ذيها ، وهي المقدّمة الموصلة. نهاية الدراية ١ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥.

(٤) أي : الترتّب ليس بأثر مجموع مقدّمات الواجب في غالب الواجبات فضلا عن أن يكون أثر إحداها. والأولى أن يقول : «فضلا عن كلّ واحدة منها».

(٥) وكان الأولى أن يقول : «فكيف يكون ترتّب الواجب على المقدّمة غرضا ...».

(٦) وفي بعض النسخ : «على تامّها» ، وفي بعض آخر : «على عامّها». والمراد واضح.

ومن هنا قد انقدح أنّ القول بالمقدّمة الموصلة يستلزم إنكار وجوب المقدّمة في غالب الواجبات ، والقول بوجوب خصوص العلّة التامّة في خصوص الواجبات التوليديّة (١).

فإن قلت : ما من واجب إلّا وله علّة تامّة ، ضرورة استحالة وجود الممكن بدونها ، فالتخصيص بالواجبات التوليديّة بلا مخصّص.

قلت : نعم ، وإن استحال صدور الممكن بلا علّة ، إلّا أنّ مبادئ اختيار الفعل الاختياريّ من أجزاء علّته ، وهي لا تكاد تتّصف بالوجوب ، لعدم كونها بالاختيار ، وإلّا لتسلسل ، كما هو واضح لمن تأمّل.

ولأنّه لو كان معتبرا فيه الترتّب لما كان الطلب يسقط بمجرّد الإتيان بها من دون انتظار لترتّب الواجب عليها ، بحيث لا يبقى في البين إلّا طلبه وإيجابه كما إذا لم تكن هذه بمقدّمة أو كانت حاصلة من الأوّل قبل إيجابه ، مع أنّ الطلب لا يكاد يسقط إلّا بالموافقة ، أو بالعصيان والمخالفة ، أو بارتفاع موضوع التكليف ـ كما في سقوط الأمر بالكفن أو الدفن بسبب غرق الميّت أحيانا أو حرقه ـ ، ولا يكون الإتيان بها ـ بالضرورة ـ من هذه الامور غير الموافقة (٢).

__________________

(١) هذا هو الوجه الثاني من الإيرادات الثلاثة.

ولكن أجاب عنه السيّد الإمام الخمينيّ بأنّ المراد من الترتّب أعمّ من الترتّب مع الواسطة.

مناهج الوصول ١ : ٣٩٥.

وأجاب عنه السيّد المحقّق الخوئيّ أيضا بنفس ما أجاب به المحقّق الاصفهانيّ عن الوجه الأوّل. محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٤١٦.

(٢) وهذا هو الوجه الثالث من الإيرادات الثلاثة. وحاصله : أنّ الإتيان بالمقدّمة بناء على وجوب الموصلة لا يوجب سقوط الطلب منها إلّا أن يترتّب الواجب عليها ، مع أنّه يسقط بمجرّد إتيانها من دون انتظار ترتّب الواجب عليها. ومن الواضح أنّ سقوطه ليس بمخالفة المقدّمة ولا بارتفاع موضوع التكليف ، فلا بدّ وأن يكون بالموافقة ، وهذا يكشف عن وجوب مطلق المقدّمة لا خصوص الموصلة.

وقد يتخيّل أنّ قوله : «مع أنّ الطلب لا يكاد ...» وجه مستقلّ. ولكنه لا يوافق سياق كلام المصنّف. ـ

إن قلت : كما يسقط الأمر في تلك الامور ، كذلك يسقط بما ليس بالمأمور به فيما يحصل به الغرض منه ، كسقوطه في التوصّليّات بفعل الغير أو المحرّمات.

قلت : نعم ، ولكن لا محيص عن أن يكون ما يحصل به الغرض من الفعل الاختياريّ للمكلّف متعلّقا للطلب فيما لم يكن فيه مانع ـ وهو كونه بالفعل محرّما ـ ، ضرورة أنّه لا يكون بينهما تفاوت أصلا. فكيف يكون أحدهما متعلّقا له فعلا دون الآخر؟

وقد استدلّ صاحب الفصول على ما ذهب إليه بوجوه ، حيث قال ـ بعد بيان أنّ التوصّل بها إلى الواجب من قبيل شرط الوجود لها ، لا من قبيل شرط الوجوب ـ ما هذا لفظه : «والّذي يدلّك على هذا ـ يعني الاشتراط بالتوصّل ـ أنّ وجوب المقدّمة لمّا كان من باب الملازمة العقليّة ـ فالعقل لا يدلّ عليه زائدا على القدر المذكور.

وأيضا لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم : اريد الحجّ واريد المسير الّذي يتوصّل به إلى فعل الواجب دون ما لم يتوصّل به إليه ، بل الضرورة قاضية بجواز تصريح الآمر بمثل ذلك ، كما أنّها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيّتها له مطلقا أو على تقدير التوصّل بها إليه ، وذلك آية عدم الملازمة بين وجوبه ووجوب مقدّماته على تقدير عدم التوصّل بها إليه.

وأيضا حيث إنّ المطلوب بالمقدّمة مجرّد التوصّل بها إلى الواجب وحصوله ، فلا جرم يكون التوصّل بها إليه وحصوله معتبرا في مطلوبيّتها ، فلا تكون مطلوبة إذا انفكّت عنه ، وصريح الوجدان قاض بأنّ من يريد شيئا لمجرّد حصول شيء آخر لا يريده إذا وقع مجرّدا عنه ، ويلزم منه أن يكون وقوعه على وجه المطلوب

__________________

ـ وأجاب السيّد المحقّق الخوئيّ عن هذا الوجه أوّلا : بالنقض بأجزاء الواجب المركّب ، حيث يسقط بإتيان كلّ واحد منها الأمر الضمنيّ المتعلّق بها. وثانيا : بما مرّ في الجواب عن الوجه الثاني. محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٤١٧.

وأجاب عنه السيّد الإمام الخمينيّ أيضا بأنّ الأمر غير ساقط بعد فرض تعلّقه بالمقدّمة الموصلة ، فسقوط أمرها أوّل الكلام. مناهج الوصول ١ : ٣٩٦.

منوطا بحصوله» انتهى موضع الحاجة من كلامه رحمه‌الله (١).

وقد عرفت (٢) بما لا مزيد عليه أنّ العقل الحاكم بالملازمة دلّ على وجوب مطلق المقدّمة ، لا خصوص ما إذا ترتّب عليها الواجب ، فيما لم يكن هناك مانع عن وجوبه ـ كما إذا كان بعض مصاديقه محكوما فعلا بالحرمة ـ ، لثبوت مناط الوجوب حينئذ في مطلقها وعدم اختصاصه بالمقيّد بذلك منها.

وقد انقدح منه : أنّه ليس للآمر الحكيم الغير المجازف بالقول ذلك التصريح. وأنّ دعوى أنّ الضرورة قاضية بجوازه مجازفة ، كيف يكون ذا؟! مع ثبوت الملاك في الصورتين (٣) بلا تفاوت أصلا ، كما عرفت.

نعم ، إنّما يكون التفاوت بينهما (٤) في حصول المطلوب النفسيّ في إحداهما (٥) وعدم حصوله في الاخرى (٦) ، من دون دخل لها في ذلك أصلا ، بل كان بحسن اختيار المكلّف وسوء اختياره ، وجاز للآمر أن يصرّح بحصول هذا المطلوب في إحداهما وعدم حصوله في الاخرى. بل وحيث (٧) إنّ الملحوظ بالذات هو هذا المطلوب ، وإنّما كان الواجب الغيريّ ملحوظا إجمالا بتبعه ـ كما يأتي أنّ وجوب المقدّمة على الملازمة تبعيّ ـ جاز في صورة عدم حصول المطلوب النفسيّ التصريح بعدم حصول المطلوب أصلا ، لعدم الالتفات إلى ما حصل من المقدّمة فضلا عن كونها مطلوبة ، كما جاز التصريح بحصول الغيريّ مع عدم فائدته لو التفت إليها ، كما لا يخفى ، فافهم.

إن قلت : لعلّ التفاوت بينهما في صحّة اتّصاف إحداهما بعنوان الموصليّة دون

__________________

(١) انتهى كلامه مع اختلاف يسير. فراجع الفصول الغرويّة : ٨٦.

(٢) تقدّم ذيل ردّ قول الشيخ في الصفحة : ٢١٦.

(٣) وهما : ترتّب ذي المقدّمة على المقدّمة وعدمه.

(٤) أي : بين الصورتين.

(٥) وهي الموصلة.

(٦) وهي : غير الموصلة.

(٧) وفي بعض النسخ : «وحيث». والأنسب وجود كلمة «بل» قبل قوله : «وحيث» ، كما في النسخة الأصليّة.

الاخرى أوجب التفاوت بينهما في المطلوبيّة وعدمها وجواز التصريح بهما ، وإن لم يكن بينهما تفاوت في الأثر ، كما مرّ.

قلت : إنّما يوجب ذلك تفاوتا فيهما لو كان ذلك لأجل تفاوت في ناحية المقدّمة ، لا فيما إذا لم يكن تفاوت في ناحيتها أصلا ، كما هاهنا ، ضرورة أنّ الموصليّة إنّما تنتزع من وجود الواجب وترتّبه عليها من دون اختلاف في ناحيتها (١) ، وكونها (٢) في كلا الصورتين على نحو واحد وخصوصيّة واحدة ، ضرورة أنّ الإتيان بالواجب بعد الإتيان بها بالاختيار تارة وعدم الإتيان به كذلك (٣) اخرى لا يوجب تفاوتا فيها ، كما لا يخفى.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره من أنّ مطلوبيّة المقدّمة حيث كانت بمجرّد التوصّل بها ، فلا جرم يكون التوصّل بها إلى الواجب معتبرا فيها. ففيه : أنّه إنّما كانت مطلوبيّتها لأجل عدم التمكّن من التوصّل بدونها ، لا لأجل التوصّل بها ، لما عرفت من أنّه (٤) ليس من آثارها ، بل ممّا يترتّب عليه (٥) أحيانا بالاختيار بمقدّمات اخرى ـ وهي مبادئ اختياره ـ ، ولا يكاد يكون مثل ذا (٦) غاية لمطلوبيّتها وداعيا إلى إيجابها.

وصريح الوجدان إنّما يقضي بأنّ ما اريد لأجل غاية وتجرّد عن الغاية بسبب عدم حصول سائر ما له دخل في حصولها يقع على ما هو عليه من المطلوبيّة الغيريّة (٧) ، كيف؟ وإلّا يلزم أن يكون وجودها من قيوده ومقدّمة

__________________

(١) أورد عليه المحقّق الاصفهانيّ بأنّ الموصليّة وشبهها من العناوين منتزعة عن المقدّمة عند بلوغها إلى حيث يمتنع انفكاكها عن ذيها. نهاية الدراية ١ : ٣٩٩.

(٢) معطوف على قوله : «أنّ الموصليّة» أي : وضرورة كون المقدّمة في صورة الإيصال وعدمه على نحو واحد.

(٣) أي : عدم الإتيان بالواجب بعد الإتيان بالمقدّمة بالاختيار.

(٤) أي : التوصّل والترتّب.

(٥) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «عليها» ، فإنّ الضمير يرجع إلى المقدّمة.

(٦) أي : مثل هذا التوصّل الفعليّ المترتّب على المقدّمة تصادفا بحسن اختيار المكلّف.

(٧) وبتعبير أوضح : يقع ما اريد لأجل غاية على صفة المطلوبيّة الغيريّة.

لوقوعه (١) على نحو تكون الملازمة بين وجوبه بذاك النحو ووجوبها (٢) ، وهو كما ترى ، ضرورة أنّ الغاية لا تكاد تكون قيدا لذي الغاية بحيث كان تخلّفها موجبا لعدم وقوع ذي الغاية على ما هو عليه من المطلوبيّة الغيريّة ، وإلّا يلزم أن تكون مطلوبة بطلبه كسائر قيوده ، فلا يكون وقوعه على هذه الصفة منوطا بحصولها كما أفاده.

ولعلّ منشأ توهّمه خلطه بين الجهة التقييديّة والتعليليّة (٣).

هذا مع ما عرفت من عدم تخلّف هاهنا ، وأنّ الغاية إنّما هو حصول ما لولاه لما تمكّن من التوصّل إلى المطلوب النفسيّ ، فافهم واغتنم.

ثمّ إنّه لا شهادة على الاعتبار (٤) في صحّة منع المولى عن مقدّماته بأنحائها إلّا فيما إذا رتّب عليه الواجب ـ لو سلّم ـ أصلا ، ضرورة أنّه وإن لم يكن الواجب منها حينئذ غير الموصلة إلّا أنّه ليس لأجل اختصاص الوجوب بها في باب

__________________

(١) كان الأولى أن يقول : «وإلّا يلزم أن يكون وجودها من قيودها ومقدّمة لوقوعه كذلك».

ومعناه : وإن لم يقع ما اريد لأجل غاية على صفة المطلوبيّة يلزم أن يكون وجود الغاية من قيود مطلوبيّة ما اريد لأجل الغاية ، ويلزم أيضا أن يكون وجود الغاية مقدّمة لوقوع ذي الغاية على صفة المطلوبيّة.

(٢) أي : على نحو تكون الملازمة بين وجوب ما اريد لأجل غاية بنحو المطلوبيّة الغيريّة ووجوب الغاية.

(٣) توضيحه : أنّ ترتّب الواجب على المقدّمة جهة تعليليّة لوجوب المقدّمة ، فيكون الترتّب علّة لوجوب المقدّمة ، بحيث لولاه لما أوجب المولى المقدّمة. وليس جهة تقييديّة كي يكون قيدا لوجوب المقدّمة بحيث لو انتفى الترتّب ينتفي الوجوب ـ كما زعمه صاحب الفصول ـ.

(٤) أي : على اعتبار ترتّب ذي المقدّمة على المقدّمة في وجوب المقدّمة.

وهذا إشارة إلى استدلال آخر على وجوب خصوص المقدّمة الموصلة. وحاصله : أنّه يجوز للمولى أن يمنع عن المقدّمات غير الموصلة ، ولا يستنكره العقل. مع أنّه يستحيل العقل أن ينهى عن مطلق المقدّمة أو خصوص الموصلة. وهذه التفرقة دليل على عدم وجوب مطلق المقدّمة ووجوب خصوص الموصلة.

وقال السيّد المحقّق الخوئيّ ـ على ما في المحاضرات ٢ : ٤٢٠ ـ : «وهذا الاستدلال منسوب إلى السيّد الطباطبائيّ صاحب العروة».

المقدّمة ، بل لأجل المنع عن غيرها المانع عن الاتّصاف بالوجوب هاهنا ، كما لا يخفى.

مع أنّ في صحّة المنع عنه كذلك نظر (١). وجهه أنّه يلزم أن لا يكون ترك الواجب حينئذ مخالفة وعصيانا ، لعدم التمكّن شرعا منه ، لاختصاص جواز مقدّمته بصورة الإتيان به. وبالجملة : يلزم أن يكون الإيجاب مختصّا بصورة الإتيان ، لاختصاص جواز المقدّمة بها ، وهو محال ، فإنّه يكون من طلب الحاصل المحال (٢) ، فتدبّر جيّدا (٣).

بقي شيء :

وهو : أنّ ثمرة القول بالمقدّمة الموصلة هي تصحيح العبادة الّتي يتوقّف على تركها فعل الواجب ، بناء على كون ترك الضدّ ممّا يتوقّف عليه فعل ضدّه ، فإنّ تركها ـ على هذا القول ـ لا يكون مطلقا واجبا ليكون فعلها محرّما فتكون فاسدة ، بل فيما يترتّب عليه الضدّ الواجب ، ومع الإتيان بها لا يكاد يكون هناك ترتّب ، فلا يكون تركها مع ذلك واجبا ، فلا يكون فعلها منهيّا عنه ، فلا تكون فاسدة (٤).

__________________

(١) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «نظرا».

(٢) حيث كان الإيجاب فعلا متوقّفا على جواز المقدّمة شرعا ، وجوازها كذلك كان متوقّفا على إيصالها المتوقّف على الإتيان بذي المقدّمة بداهة ، فلا محيص إلّا عن كون إيجابه على تقدير الإتيان به ، وهو من طلب الحاصل الباطل. منه رحمه‌الله.

(٣) قال المحقّق الاصفهانيّ : «إنّ الصحيح في الإشكال هو محذور طلب الحاصل. وأمّا لزوم عدم كون ترك الواجب مخالفة وعصيانا فمخدوش بأنّه مع عدم الوجوب قبل الوجود لا وجوب حتّى يكون الترك ترك الواجب ، ليلزم عدم كونه مخالفة وعصيانا ، لينافي طبيعة ترك الواجب». نهاية الدراية ١ : ٤٠٣.

(٤) توضيحه : أنّ ترك الصلاة ـ مثلا ـ إذا كان مقدّمة لواجب أهمّ ـ كإزالة النجاسة ـ كان ذلك الترك واجبا. وإذا صار الترك واجبا كان فعلها منهيّا عنه ـ بناء على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ ـ ، وإذا كان منهيّا عنه فهو فاسد ، لأنّ النهي عن العبادة يوجب فسادها. هذا بناء على القول بوجوب مطلق المقدّمة.

وأمّا بناء على القول بوجوب خصوص الموصلة فيصحّ فعل الصلاة في المثال السابق. وذلك لأنّ الترك الواجب ـ على هذا القول ـ انّما هو الترك الموصل ، لا مطلق الترك. ـ

وربّما اورد (١) على تفريع هذه الثمرة بما حاصله : أنّ (٢) فعل الضدّ وإن لم يكن نقيضا للترك الواجب مقدّمة ـ بناء على المقدّمة الموصلة ـ إلّا أنّه لازم لما هو من أفراد النقيض ، حيث إنّ نقيض ذاك الترك الخاصّ رفعه ، وهو أعمّ من الفعل (٣) والترك الآخر المجرّد. وهذا يكفي في إثبات الحرمة ، وإلّا لم يكن الفعل المطلق محرّما فيما إذا كان الترك المطلق واجبا ، لأنّ الفعل أيضا ليس نقيضا للترك ، لأنّه أمر وجوديّ ، ونقيض الترك إنّما هو رفعه ، ورفع الترك إنّما يلازم الفعل مصداقا ، وليس عينه ؛ فكما أنّ هذه الملازمة تكفي في إثبات الحرمة لمطلق الفعل ، فكذلك تكفي في المقام ؛ غاية الأمر أنّ ما هو النقيض في مطلق الترك إنّما ينحصر مصداقه في الفعل فقط ، وأمّا النقيض للترك الخاصّ فله فردان ، وذلك لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده ، كما لا يخفى.

قلت : وأنت خبير بما بينهما من الفرق ، فإنّ الفعل في الأوّل (٤) لا يكون إلّا مقارنا لما هو النقيض من رفع الترك المجامع معه (٥) تارة ومع الترك المجرّد اخرى ، ولا تكاد تسري حرمة الشيء إلى ما يلازمه فضلا عمّا يقارنه أحيانا. نعم لا بدّ أن لا يكون الملازم محكوما فعلا بحكم آخر على خلاف حكمه ، لا أن يكون

__________________

ـ ومن المعلوم أنّ نقيضه ـ وهو ترك الترك الموصل ـ ليس عين فعل الصلاة في الخارج حتّى يكون منهيّا عنه ، بل فعل الصلاة في الخارج من مقارنات ترك الترك الموصل ، لأنّ ترك الترك الموصل قد يتحقّق بفعل الصلاة وقد يتحقّق بفعل آخر كالنوم والأكل وغيرهما. ومعلوم أنّ الحرمة ثابتة لترك الترك الموصل ، وهي لا تسري إلى ملازمه فضلا عن مقارنه. وعليه فلا تكون الصلاة فاسدة.

ولا يخفى : أنّ هذه الثمرة أوّل من ذكرها هو صاحب الفصول في مبحث الضدّ من الفصول الغرويّة : ٩٧ ـ ١٠٠.

(١) كما أورد عليه الشيخ الأعظم الأنصاريّ على ما في مطارح الأنظار : ٧٨.

(٢) وفي النسخ المطبوعة : «بأنّ». والصحيح ما أثبتناه ، كما لا يخفى.

(٣) أي : فعل الواجب. وهو في المثال السابق فعل الصلاة.

(٤) وهو كون الترك المقيّد بالإيصال مقدّمة.

(٥) أي : مع فعل الواجب.

محكوما بحكمه. وهذا بخلاف الفعل في الثاني (١) ، فإنّه بنفسه يعاند الترك المطلق وينافيه ، لا ملازم لمعانده ومنافيه ، فلو لم يكن عين ما يناقضه بحسب الاصطلاح مفهوما ، لكنّه متّحد معه عينا وخارجا. فإذا كان الترك واجبا فلا محالة يكون الفعل منهيّا عنه قطعا ، فتدبّر جيّدا.(٢)

[الأمر الخامس]

في بيان الثمرة (٣) [في مسألة مقدّمة الواجب]

وهي في المسألة الاصوليّة ـ كما عرفت سابقا (٤) ـ ليست إلّا أن تكون نتيجتها صالحة للوقوع في طريق الاجتهاد واستنباط حكم فرعيّ. كما لو قيل بالملازمة في المسألة ، فإنّه بضميمة مقدّمة كون شيء مقدّمة لواجب ، يستنتج أنّه واجب (٥).

__________________

(١) أي : كون الترك المطلق مقدّمة.

(٢) لا يخفى : أنّ هذا الجواب غير تامّ عند السيّد الإمام الخمينيّ. فأورد عليه من وجوه. ثمّ أجاب عن إيراد الشيخ بما حاصله : أنّ نقيض الترك الموصل لا يمكن أن يكون الفعل والترك المجرّد ، لأنّ نقيض الواحد واحد ، والّا لزم امكان اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، فلا محالة يكون نقيض الترك الموصل ترك هذا الترك المقيّد ، وهو منطبق على الفعل بالعرض ، لعدم إمكان انطباقه عليه ذاتا ، للزوم كون الحيثيّة الوجوديّة عين الحيثيّة العدميّة ، والانطباق العرضيّ لا يوجب سراية الحرمة فتقع صحيحة.

ثمّ تعرّض لما أورد المحقّق الاصفهانيّ على أصل الثمرة وأجاب عنه. فراجع مناهج الوصول الوصول ١ : ٤٠٢ ـ ٤٠٥.

(٣) وفي بعض النسخ : «تذنيب في بيان الثمرة».

(٤) في صدر الكتاب ، حيث قال : «وإن كان الأولى تعريفه ...» : ٢٤.

(٥) لا يخفى عليك : أنّ نتيجة المسألة الاصوليّة في المقام هي ثبوت الملازمة ـ لو قيل بها ـ.

ومعناها : أنّ كلّ مقدّمة يستلزم وجوب ذيها وجوبها ، وإذا ضممت إليه أنّ الوضوء مقدّمة للصلاة الواجبة ـ مثلا ـ ينتج أنّ الوضوء يستلزم وجوب ذيه وجوبه ، فالنتيجة ثبوت الملازمة بين وجوب الصلاة ووجوب الوضوء. وهي إحدى مصاديق تلك النتيجة الكلّيّة ـ أعنى ثبوت الملازمة ـ. فالقياس المذكور لا ينتج وجوب المقدّمة ـ كالوضوء ـ حتّى تكون نتيجته حكما فقهيّا ليصدق أنّ ثبوت الملازمة نتيجة للمسألة الاصوليّة صالحة للوقوع في طريق استنباط ـ

ومنه قد انقدح أنّه ليس منها (١) مثل برء النذر بإتيان مقدّمة واجب عند نذر الواجب ؛ وحصول الفسق بترك واجب واحد بمقدّماته إذا كانت له مقدّمات كثيرة ، لصدق الإصرار على الحرام بذلك ؛ وعدم جواز أخذ الاجرة على المقدّمة.

مع أنّ البرء وعدمه إنّما يتبعان قصد الناذر ، فلا برء بإتيان المقدّمة لو قصد الوجوب النفسيّ ـ كما هو المنصرف عند إطلاقه ـ ولو قيل بالملازمة. وربما يحصل البرء به لو قصد ما يعمّ المقدّمة ولو قيل بعدمها ، كما لا يخفى.

ولا يكاد يحصل الإصرار على الحرام بترك واجب ولو كانت له مقدّمات غير عديدة ، لحصول العصيان بترك أوّل مقدّمة لا يتمكّن معه من الواجب ، ولا يكون ترك سائر المقدّمات بحرام أصلا ، لسقوط التكليف حينئذ ، كما هو واضح لا يخفى.

__________________

ـ الحكم الفرعيّ.

نعم ، يمكن أن يجعل نتيجة القياس المذكور صغرى لقياس آخر ويقال : «إنّ الوضوء يستلزم وجوب ذيه وجوبه ، وكلّ ما كان كذلك فهو واجب ، فالوضوء واجب». وعليه تكون الملازمة الكلّيّة واقعة في طريق الاستنباط الحكم الفرعيّ مع الواسطة.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ الثمرة المذكورة غير تامّة ، لأنّ القياس الأخير انّما ينتج لا بدّيّة الوضوء عقلا ، لا أنّه ينتج وجوب الوضوء شرعا لتكون الملازمة واقعة في طريق الاستنباط الحكم الفرعيّ مع الواسطة. مضافا إلى أنّ بعد فرض لا بدّيّة الإتيان بالمقدّمة عقلا فلا فائدة في القول بوجوبها شرعا.

ولعلّه أنكر كثير من المتأخّرين وجود أيّة ثمرة في مسألة مقدّمة الواجب. منهم : المحقّق النائينيّ في فوائد الاصول ١ : ٣٠١ ، والسيّد الإمام الخمينيّ في مناهج الوصول ١ : ٤٠٨ ، والمحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٢ : ٤٢٥ ـ ٤٣٢.

إن قلت : إذا لم تكن لمسألة مقدّمة الواجب ثمرة عمليّة فلم أطنبوا الكلام فيها؟

قلت : إنّ البحث في المقام وإن كان عن وجوب المقدّمة عنوانا ولكن في الواقع لا يكون البحث عن أصل المقدّمة ووجوبها إلّا على الهامش. كيف؟ ويبحث في المقام عن أمور دقّيّة نظريّة لا علاقة لها بوجوب المقدّمة وعدمه ، وكلّ منها ذو آثار عمليّة في الفقه ، كالبحث عن إمكان الشرط المتأخّر وعدمه ، والبحث عن المقدّمات المفوّتة ، والبحث عن تقسيمات الواجب ، وإمكان الواجب المعلّق وعدمه ، وغيرها ممّا له آثار مهمّة في الفقه.

(١) أي : من الثمرة في مسألة مقدّمة الواجب.