ومنه قد انقدح أنّه ليس منها (١) مثل برء النذر بإتيان مقدّمة واجب عند نذر الواجب ؛ وحصول الفسق بترك واجب واحد بمقدّماته إذا كانت له مقدّمات كثيرة ، لصدق الإصرار على الحرام بذلك ؛ وعدم جواز أخذ الاجرة على المقدّمة.
مع أنّ البرء وعدمه إنّما يتبعان قصد الناذر ، فلا برء بإتيان المقدّمة لو قصد الوجوب النفسيّ ـ كما هو المنصرف عند إطلاقه ـ ولو قيل بالملازمة. وربما يحصل البرء به لو قصد ما يعمّ المقدّمة ولو قيل بعدمها ، كما لا يخفى.
ولا يكاد يحصل الإصرار على الحرام بترك واجب ولو كانت له مقدّمات غير عديدة ، لحصول العصيان بترك أوّل مقدّمة لا يتمكّن معه من الواجب ، ولا يكون ترك سائر المقدّمات بحرام أصلا ، لسقوط التكليف حينئذ ، كما هو واضح لا يخفى.
__________________
ـ الحكم الفرعيّ.
نعم ، يمكن أن يجعل نتيجة القياس المذكور صغرى لقياس آخر ويقال : «إنّ الوضوء يستلزم وجوب ذيه وجوبه ، وكلّ ما كان كذلك فهو واجب ، فالوضوء واجب». وعليه تكون الملازمة الكلّيّة واقعة في طريق الاستنباط الحكم الفرعيّ مع الواسطة.
ولكن يمكن أن يقال : إنّ الثمرة المذكورة غير تامّة ، لأنّ القياس الأخير انّما ينتج لا بدّيّة الوضوء عقلا ، لا أنّه ينتج وجوب الوضوء شرعا لتكون الملازمة واقعة في طريق الاستنباط الحكم الفرعيّ مع الواسطة. مضافا إلى أنّ بعد فرض لا بدّيّة الإتيان بالمقدّمة عقلا فلا فائدة في القول بوجوبها شرعا.
ولعلّه أنكر كثير من المتأخّرين وجود أيّة ثمرة في مسألة مقدّمة الواجب. منهم : المحقّق النائينيّ في فوائد الاصول ١ : ٣٠١ ، والسيّد الإمام الخمينيّ في مناهج الوصول ١ : ٤٠٨ ، والمحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٢ : ٤٢٥ ـ ٤٣٢.
إن قلت : إذا لم تكن لمسألة مقدّمة الواجب ثمرة عمليّة فلم أطنبوا الكلام فيها؟
قلت : إنّ البحث في المقام وإن كان عن وجوب المقدّمة عنوانا ولكن في الواقع لا يكون البحث عن أصل المقدّمة ووجوبها إلّا على الهامش. كيف؟ ويبحث في المقام عن أمور دقّيّة نظريّة لا علاقة لها بوجوب المقدّمة وعدمه ، وكلّ منها ذو آثار عمليّة في الفقه ، كالبحث عن إمكان الشرط المتأخّر وعدمه ، والبحث عن المقدّمات المفوّتة ، والبحث عن تقسيمات الواجب ، وإمكان الواجب المعلّق وعدمه ، وغيرها ممّا له آثار مهمّة في الفقه.
(١) أي : من الثمرة في مسألة مقدّمة الواجب.