بحذاء الأنواع المادية التي في هذا العالم المادي ، يدبر كل منها ما يحاذيه من النوع ، وتسمى أرباب الأنواع والمثل الأفلاطونية ، لأنه كان يصر على القول بها ، وأنكرها المشاءون ، ونسبوا التدابير المنسوبة إليها ، إلى آخر العقول الطولية ، الذي يسمونه العقل الفعال.
وقد اختلفت أقوال المثبتين في حقيقتها ، وأصح الأقوال فيها على ما قيل ، هو أن لكل نوع من هذه الأنواع المادية ، فردا مجردا في أول الوجود ، واجدا بالفعل جميع الكمالات الممكنة لذاك النوع ، يعتني بأفراده المادية ، فيدبرها بواسطة صورته النوعية ، فيخرجها من القوة إلى الفعل ، بتحريكها حركة جوهرية ، بما يتبعها من الحركات العرضية.
وقد احتجوا لإثباتها بوجوه ، منها أن القوى النباتية ، من الغاذية والنامية والمولدة ، أعراض حالة في جسم النبات متغيرة بتغيره ، متحللة بتحلله ليس لها شعور وإدراك ، فيستحيل أن تكون هي المبادئ الموجدة ، لهذه التراكيب والأفاعيل المختلفة ، والأشكال والتخاطيط الحسنة الجميلة ، على ما فيها من نظام ، دقيق متقن تتحير فيه العقول والألباب ، فليس إلا أن هناك جوهرا مجردا عقليا ، يدبر أمرها ويهديها إلى غايتها فتستكمل بذلك.
وفيه أن من الجائز ، أن ينسب ما نسبوه إلى رب النوع إلى غيره ، فإن أفعال كل نوع مستندة إلى صورته النوعية ، وفوقها العقل الأخير الذي يثبته المشاءون ، ويسمونه العقل الفعال.
ومنها أن الأنواع الواقعة في عالمنا هذا ، على النظام الجاري في كل منها ، دائما من غير تبدل وتغير ، ليست واقعة بالاتفاق ، فلها ولنظامها الدائمي المستمر علل حقيقية ، وليست إلا جواهر مجردة ، توجد هذه الأنواع وتعتني بتدبير أمرها ، دون ما يتخرصون به من نسبة الأفاعيل والآثار ، إلى الأمزجة ونحوها