من غير دليل ، بل لكل نوع مثال كلي يدبر أمره ، وليس معنى كليته جواز صدقه على كثيرين ، بل إنه لتجرده تستوي نسبته إلى جميع الأفراد.

وفيه أن الأفعال والآثار ، المترتبة على كل نوع مستندة إلى صورته النوعية ، ولو لا ذلك لم تتحقق نوعية لنوع ، فالأعراض المختصة بكل نوع ، هي الحجة على أن هناك صورة جوهرية ، هي المبدأ القريب لها ، كما أن الأعراض المشتركة ، دليل على أن هناك موضوعا مشتركا.

ففاعل النظام الجاري في النوع هو صورته النوعية ، وفاعل الصورة النوعية كما تقدم (١) ، جوهر مجرد يفيضها على المادة المستعدة ، فتختلف الصور باختلاف الاستعدادات ، وإما أن هذا الجوهر المجرد ، عقل عرضي يخص النوع ويوجده ويدبر أمره ، أو أنه جوهر عقلي من العقول الطولية ، إليه ينتهي أمر عامة الأنواع ، فليست تكفي في إثباته هذه الحجة.

ومنها الاحتجاج على إثباتها ، بقاعدة إمكان الأشرف ، فإن الممكن الأخس إذا وجد ، وجب أن يوجد الممكن الأشرف قبله ، وهي قاعدة مبرهن عليها ، ولا ريب في أن الإنسان المجرد ، الذي هو بالفعل في جميع الكمالات الإنسانية مثلا ، أشرف وجودا من الإنسان المادي ، الذي هو بالقوة في معظم كمالاته ، فوجود الإنسان المادي ، الذي في هذا العالم دليل على وجود مثاله العقلي ، الذي هو رب نوعه.

وفيه أن جريان قاعدة إمكان الأشرف ، مشروط بكون الأشرف والأخس ، مشتركين في الماهية النوعية ، حتى يدل وجود الأخس في الخارج ، على إمكان الأشرف بحسب ماهيته ، ومجرد صدق مفهوم على شيء ، لا يستلزم كون المصداق فردا نوعيا له ، كما أن صدق مفهوم العلم على العلم الحضوري ، لا يستلزم كونه كيفا نفسانيا ، فمن الجائز أن يكون مصداق مفهوم الإنسان الكلي ،

__________________

(١) في الفصل السابع من المرحلة السادسة.

۱۸۴۱