إلى مادة قابلة ، فكل ماهية كثيرة الأفراد فهي مادية ، وينعكس عكس النقيض ، إلى أن كل ماهية غير مادية ، وهي المجردة وجودا ، لا تتكثر تكثرا إفراديا وهو المطلوب.
نعم تمكن الكثرة الأفرادية في العقل المفارق ، فيما لو استكملت أفراد من نوع مادي كالإنسان ، بالحركة الجوهرية من مرحلة المادية والإمكان ، إلى مرحلة التجرد والفعلية ، فتستصحب التميز الفردي ، الذي كان لها عند كونها مادية.
ثم إنه ، لما استحالت الكثرة الأفرادية في العقل المفارق ، فلو كانت فيه كثرة فهي الكثرة النوعية ، بأن توجد منه أنواع متباينة ، كل نوع منها منحصر في فرد ، ويتصور ذلك على أحد وجهين ، إما طولا وإما عرضا والكثرة طولا ، أن يوجد هناك عقل ثم عقل إلى عدد معين ، كل سابق منها علة فاعلة للاحقه مباين له نوعا ، والكثرة عرضا ، أن يوجد هناك أنواع كثيرة متباينة ، ليس بعضها علة لبعض ولا معلولا ، وهي جميعا معلولات عقل واحد فوقها.
الفصل الحادي عشر
في العقول الطولية وأول ما يصدر منها
لما كان الواجب تعالى ، واحدا بسيطا من جميع الجهات ، امتنع أن يصدر منه الكثير ، سواء كان الصادر مجردا كالعقول العرضية ، أو ماديا كالأنواع المادية ، لأن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ، فأول صادر منه تعالى عقل واحد ، يحاكي بوجوده الواحد الظلي ، وجود الواجب تعالى في وحدته.
ولما كان معنى أوليته هو تقدمه في الوجود ، على غيره من الوجودات الممكنة ، وهو العلية ، كان علة متوسطة بينه تعالى ، وبين سائر الصوادر منه ، فهو الواسطة في صدور ما دونه ، ما ليس في ذلك تحديد القدرة المطلقة الواجبية ،