مرّة أو مرارا ، لا لزوم الاقتصار على المرّة ، كما لا يخفى.
والتحقيق : أنّ قضيّة الإطلاق إنّما هو جواز الإتيان بها مرّة في ضمن فرد أو أفراد ، فيكون إيجادها (١) في ضمنها (٢) نحوا من الامتثال كإيجادها في ضمن الواحد ، لا جواز الإتيان بها مرّة ومرّات ، فإنّه مع الإتيان بها مرّة لا محالة يحصل الامتثال ، ويسقط به الأمر فيما إذا كان امتثال الأمر علّة تامّة لحصول الغرض الأقصى بحيث يحصل بمجرّده ، فلا يبقى معه مجال لإتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر ، أو بداعي أن يكون الإتيانان امتثالا واحدا ، لما عرفت من حصول الموافقة بإتيانها (٣) ، وسقوط الغرض معها (٤) ، وسقوط الأمر بسقوطه ، فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا. وأمّا إذا لم يكن الامتثال علّة تامّة لحصول الغرض ، كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضّأ ، فاتي به ولم يشرب أو لم يتوضّأ فعلا ، فلا يبعد صحّة تبديل الامتثال بإتيان فرد آخر أحسن منه ، بل مطلقا ، كما كان له ذلك (٥) قبله على ما يأتي بيانه في الإجزاء (٦).
المبحث التاسع
[عدم دلالة الصيغة على الفور أو التراخي]
الحقّ أنّه لا دلالة للصيغة لا على الفور ولا على التراخي (٧). نعم ، قضيّة
__________________
(١) أي : إيجاد الطبيعة.
(٢) أي : الأفراد.
(٣) أي : إتيان الطبيعة مرّة.
(٤) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «معه» ، فإنّ الضمير يرجع إلى إتيان الطبيعة مرّة.
(٥) أي : الإتيان بأيّ فرد آخر.
(٦) يأتي في الصفحة : ١٦٠ ، حيث قال : «نعم ، لا يبعد أن يقال ...».
وخالفه السيّدان العلمان : الإمام الخمينيّ والمحقّق الخوئيّ. فذهبا إلى عدم جواز الامتثال بعد الامتثال مطلقا ، لعدم تعقّل بقاء الأمر مع الإتيان بمتعلّقه بجميع الخصوصيّات المعتبرة فيه. راجع مناهج الوصول ١ : ٣٠٤ ـ ٣٠٦ ، المحاضرات ٢ : ٢٠٩.
وقال المحقّق الاصفهانيّ ـ ردّا على المصنّف ـ : «التحقيق أنّ إتيان المأمور به بحدوده وقيوده علّة تامّة للغرض الباعث على البعث إليه. والغرض القائم باحضار الماء تمكّن المولى من رفع عطشه به ، لا نفس رفع العطش». نهاية الدراية ١ : ٢٥٤.
(٧) لا يخفى : أنّه لا بدّ من حمل كلامه على أن لا دلالة لصيغة الأمر بالدلالة الوضعيّة ـ لا بمادّتها ولا بهيئتها ـ على لزوم الفور ، ولا على جواز التراخي ، وإن كانت الصيغة ظاهرة بإطلاقها ـ