تأمّل فيما ذكرناه في المقام تعرف حقيقة المرام ، كيلا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعض الأعلام.
ثالثها (١) : [في عدم صحّة الاستدلال بإطلاق الأمر على عدم اعتبار قصد القربة]
إنّه إذا عرفت بما لا مزيد عليه عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلا ، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه (٢) ـ ولو كان مسوقا في مقام البيان ـ على عدم اعتباره ، كما هو أوضح من أن يخفى ، فلا يكاد يصحّ التمسّك به إلّا فيما يمكن اعتباره فيه.
فانقدح بذلك أنّه لا وجه لاستظهار التوصّليّة من إطلاق الصيغة بمادّتها (٣) ، ولا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه ممّا هو ناشئ من قبل الأمر من إطلاق المادّة في العبادة لو شكّ في اعتباره فيها.
نعم ، إذا كان الآمر في مقام بصدد بيان تمام ما له دخل في حصول غرضه وإن لم يكن له دخل في متعلّق أمره ، ومعه سكت في المقام ، ولم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال في حصوله ، كان هذا قرينة على عدم دخله في غرضه (٤) ، وإلّا لكان سكوته نقضا له وخلاف الحكمة.
__________________
ـ وخالفه أيضا السيّدان العلمان : الإمام الخمينيّ والسيّد الخوئيّ ، فذهبا إلى جواز أخذ قصد القربة في متعلّق الأمر ولو لم نقل بتعدّد الأمر. فراجع مناهج الوصول ١ : ٢٦٠ ، والمحاضرات ٢ : ١٧٢.
(١) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «ثالثتها».
(٢) أي : إطلاق الأمر.
(٣) لعلّه تعريض بالشيخ الأعظم الأنصاريّ ، حيث قال ـ على ما في تقريرات بحثه ـ : «فالحقّ الحقيق بالتصديق هو أنّ ظاهر الأمر يقتضى التوصّليّة ...». مطارح الأنظار : ٦١.
ولكن لا يخفى : أنّه لا بدّ من حمل كلام الشيخ على الإطلاق المقامي ، ضرورة أنّه أنكر التمسّك بالإطلاق اللفظيّ لإثبات التوصّليّة ، فاستظهاره في المقام أجنبيّ عن مورد البحث.
نعم ، ذهب السيّد المحقّق الخوئيّ والسيّد الإمام الخمينيّ إلى أصالة التوصليّة تمسّكا بإطلاق الصيغة. راجع المحاضرات ٢ : ١٧٢ ، ومناهج الوصول ١ : ٢٧٤.
(٤) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «في حصول غرضه».