المبحث الثاني
[الصيغة حقيقة في الوجوب]
في أنّ الصيغة حقيقة في الوجوب أو في الندب أو فيهما (١) أو في المشترك بينهما (٢) وجوه ، بل أقوال (٣).
__________________
(١) على نحو الاشتراك اللفظيّ.
(٢) على نحو الاشتراك المعنويّ.
(٣) لا يخفى : أنّ استفادة الوجوب من صيغة الأمر ممّا لا إشكال فيه ، وكأنّه من المتّفق عليه بين المصنّف وكثير ممّن تقدّم عليه أو تأخّر عنه. وإنّما الكلام في طريق استفادته من الصيغة.
وفيه وجوه :
الأوّل : ما ذهب إليه صاحبا القوانين والمعالم من أنّ الوجوب يستفاد من صيغة الأمر بالوضع ، لكونها موضوعة للطلب الوجوبيّ ، فتكون الصيغة حقيقة في الوجوب ومجازا في غيره. قوانين الاصول ١ : ٨٣ ، ومعالم الدين : ٤٦.
وهذا مختار المصنّف في المقام. واستدلّ عليه بأنّ المتبادر من الصيغة عند استعمالها بلا قرينة هو الوجوب ، والتبادر علامة الحقيقة. ثمّ أيّده بقيام السيرة العقلائيّة على ذمّ الموالى عبيدهم عند مخالفتهم لامتثال أوامرهم.
ولكن يرد عليه ما يأتي في التعليقات الآتية.
الثاني : ما ذهب إليه المحقّق العراقيّ من أنّ الوجوب يستفاد من إطلاق الصيغة بمقدّمات الحكمة ، لا من نفس الصيغة بالوضع.
بيان ذلك : أنّ الإرادة المتعلّقة بفعل الغير تختلف شدّة وضعفا حسب اختلاف المصالح الداعية إلى ذلك ؛ فالإرادة قد تكون شديدة بحيث لم يرتض المولى إلّا بتحقّق المراد ، وقد تكون ضعيفة بحيث لا يمنع المولى عبده من التخلّف ، بل له أن يفعل وأن لا يفعل. والاولى تسمّى : «الإرادة الوجوبيّة» ، والثانية تسمّى : «الإرادة الاستحبابيّة».
ولا شكّ أنّ الإرادة الوجوبيّة هي الإرادة التامّة الّتي لا ضعف فيها ولا نقصان ، بخلاف الإرادة الاستحبابيّة ، فإنّها محدودة بحدّ النقص والضعف. ومعلوم أنّ صفة الشدّة في الإرادة ليست أمرا زائدا على الإرادة ، بل شدّة الإرادة إرادة بحيث كان ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز ؛ بخلاف صفة النقص فيها ، فإنّها حدّ عدميّ زائد على الإرادة ويحتاج بيانها إلى مئونة زائدة.
فإذا أمر المولى بشىء وكان في مقام البيان ولم ينصب قرينة على الوجوب أو الندب أو الجامع فيحمل الأمر على الإرادة الشديدة الّتي لا يحتاج بيانها إلى مئونة زائدة ، وهي ـ