على ما قيل من أنّ نسبة الكلّيّ إلى أفراده من باب نسبة الأب الواحد إلى الأبناء الكثيرة ، كما نقل ذلك ابن سينا عن بعض من عاصره (١) ـ ، أو أنّ الكلّيّ الطبيعيّ لا وجود له إلاّ بوجود أفراده بالعرض ، ففي كلّ فرد حصّة موجودة منه غير الحصّة الموجودة في فرد آخر ، فلا تكون له وحدة خارجيّة بوجود أفراده المتعدّدة ، بل نسبته إلى أفراده من قبيل نسبة الآباء المتعدّدة إلى الأبناء المتعدّدة ، وهذا هو المعروف عند المحقّقين (٢)؟
فالقائل بجريان الاستصحاب في هذا القسم ، إمّا أن يلتزم بكفاية الوحدة النوعيّة في تحقّق ركن الاستصحاب ، وإمّا أن يلتزم بأنّ الكلّيّ له وحدة خارجيّة بوجود أفراده المتعدّدة ، وإلاّ فلا يجري الاستصحاب.
وإذا اتّضح هذا التحليل الدقيق لمنشا الأقوال في المسألة يتّضح الحقّ فيها ، وهو القول الثاني ، وهو عدم جريان الاستصحاب مطلقا.
أمّا أوّلا : فلأنّه من الواضح عدم كفاية الوحدة النوعيّة في الاستصحاب ؛ لأنّ معنى بقاء المستصحب فيه هو استمراره خارجا بعد اليقين به. ونحن لا نعني من استصحاب الكلّيّ استصحاب نفس الماهيّة من حيث هي ؛ فإنّ هذا لا معنى له ، (٣) بل المراد استصحابها بما لها من الوجود الخارجيّ لغرض ترتيب أحكامها الفعليّة.
وأمّا ثانيا : فلأنّه من الواضح أيضا أنّ الحقّ أنّ نسبة الكلّيّ إلى أفراده من قبيل نسبة الآباء إلى الأبناء ؛ لأنّه من الضروريّ أنّ الكلّيّ لا وجود له إلاّ بالعرض بوجود أفراده.
وفي مقامنا قد وجدت حصّة من الكلّيّ ، وقد ارتفعت هذه الحصّة يقينا ، والحصّة الأخرى منه في الفرد الثاني هي من أوّل الأمر مشكوكة الحدوث ، فلم يتّحد المتيقّن والمشكوك.
وبهذا يفترق القسم الثالث عن القسم الثاني من استصحاب الكلّيّ ؛ لأنّه في القسم الثاني ـ كما سبق ـ ذات الحصّة من الكلّيّ المتعيّنة واقعا ، المعلومة الحدوث على الإجمال هي نفسها مشكوكة البقاء ، حيث لا يدرى أنّها الحصّة المضافة إلى الفرد الطويل ، أو الفرد القصير.
__________________
(١) وهو الرجل الهمدانيّ على ما في شرح المنظومة : ٩٩.
(٢) الأسفار ٢ : ٨ ، وشرح المنظومة : ٩٩.
(٣) فإنّ الماهيّة من حيث هي ليست إلاّ هي ، ولا يترتّب عليها حكم من الأحكام.