ومنها : أنّ الوضوء أمر آنيّ متصرّم ، ليس له استمرار في الوجود ، وإنّما الذي إذا ثبت استدام هو أثره ، وهو الطهارة ، ومتعلّق اليقين في الصحيحة هو الوضوء لا الطهارة ، ومتعلّق الشكّ هو المانع من استمرار أثر المتيقّن ، فيكون الشكّ في استمرار أثر المتيقّن لا المتيقّن نفسه. وعليه ، فلا يكون متعلّق اليقين نفس متعلّق الشكّ ، فانخرم الشرط الخامس في الاستصحاب ، ويكون ذلك موردا لقاعدة المقتضي والمانع. فتكون الصحيحة دليلا عليها لا على الاستصحاب.
وفيه : أنّ الجمود على لفظ «الوضوء» يوهم ذلك ، ولكنّ المتعارف من مثل هذا التعبير في لسان الأخبار إرادة الطهارة التي هي أثر له بإطلاق السبب وإرادة المسبّب ، ونفس صدر الصحيحة «الرجل ينام وهو على وضوء» يشعر بذلك. فالمتبادر والظاهر من قوله : «فإنّه على يقين من وضوئه» أنّه متيقّن بالطهارة المستمرّة لو لا الرافع لها ، والشكّ إنّما هو في ارتفاعها للشكّ في وجود الرافع. فيكون متعلّق اليقين نفس متعلّق الشكّ. فما أبعدها عن قاعدة المقتضي والمانع.
ومنها : ما أفاده الشيخ الأنصاريّ قدسسره في مناقشة جميع الأخبار العامّة المستدلّ بها على حجّيّة مطلق الاستصحاب ، واستنتج من ذلك أنّها مختصّة بالشكّ في الرافع ، فيكون الاستصحاب حجّة فيه فقط ، قال رحمهالله : «فالمعروف بين المتأخّرين الاستدلال بها على حجّيّة الاستصحاب في جميع الموارد. وفيه تأمّل قد فتح بابه المحقّق الخوانساريّ في شرح الدروس». (١)
وسيأتي إن شاء الله (تعالى) في آخر الأخبار بيان هذه المناقشة ، ونقدها.
٢. صحيحة زرارة الثانية :
وهي أيضا مضمرة ، كالسابقة.
قال [زرارة] : قلت : أصاب ثوبي دم رعاف ، أو غيره ، أو شيء من منيّ ، فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، [فأصبت] ، وحضرت الصلاة ، ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصلّيت ، ثمّ إنّي
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٥٧٤.