١. ثبوت بناء العقلاء على إجراء الاستصحاب.
٢. كشف هذا البناء عن موافقة الشارع ، واشتراكه معهم.
وقد وقعت المناقشة في المقدّمتين معا. ويكفي في المناقشة ثبوت الاحتمال ، فيبطل به الاستدلال ؛ لأنّ مثل هذه المقدّمات يجب أن تكون قطعيّة ، وإلاّ فلا يثبت بها المطلوب ، ولا تقوم بها للاستصحاب ونحوه حجّة.
أمّا الأولى : فقد ناقش فيها أستاذنا الشيخ النائينيّ رحمهالله (١) بأنّ بناء العقلاء لم يثبت إلاّ فيما إذا كان الشكّ في الرافع ، أمّا : إذا كان الشكّ في المقتضي فلم يثبت منهم هذا البناء ـ على ما سيأتي من معنى المقتضي والرافع اللذين يقصدهما الشيخ الأنصاريّ قدسسره (٢) ـ ، فيكون بناء العقلاء هذا دليلا على التفصيل المختار له ، وهو القول التاسع.
ولا يبعد صحّة ما أفاده من التفصيل في بناء العقلاء ، بل يكفي احتمال اختصاص بنائهم بالشكّ في الرافع. ومع الاحتمال يبطل الاستدلال ، كما سبق.
وأمّا المقدّمة الثانية : فقد ناقش فيها شيخنا الآخوند قدسسره في الكفاية (٣) بوجهين نذكرهما ، ونذكر الجواب عنهما :
أوّلا : أنّ بناء العقلاء لا يستكشف منه اعتبار الاستصحاب عند الشارع إلاّ إذا أحرزنا أنّ منشأ بنائهم العمليّ هو التعبّد بالحالة السابقة من قبلهم ـ أي إنّهم يأخذون بالحالة السابقة من أجل أنّها سابقة ـ ، لنستكشف منه تعبّد الشارع. ولكن ليس هذا بمحرز منهم لو لم يكن مقطوع العدم ؛ فإنّه من الجائز قريبا أنّ أخذهم بالحالة السابقة لا لأجل أنّها حالة سابقة ، بل لأجل رجاء تحصيل الواقع مرّة ، أو لأجل الاحتياط أخرى ، أو لأجل اطمئنانهم ببقاء ما كان ثالثة ، أو لأجل ظنّهم بالبقاء ولو نوعا رابعة ، أو لأجل غفلتهم عن الشكّ أحيانا خامسة. وإذا كان الأمر كذلك فلم يحرز تعبّد الشارع بالحالة السابقة الذي هو النافع في المقصود.
والجواب : أنّ المقصود النافع من ثبوت بناء العقلاء هو ثبوت تبانيهم العمليّ على الأخذ
__________________
(١) فوائد الأصول ٤ : ٣٣٣.
(٢) يأتي في الصفحة : ٦٣٨.
(٣) كفاية الأصول : ٤٣٩.