بالحالة السابقة ، وهذا ثابت عندهم من غير شكّ ، أي إنّ لهم قاعدة عمليّة تبانوا عليها وو اتّبعوها أبدا ، مع الالتفات والتوجّه إلى ذلك (١). أمّا : فرض الغفلة من بعضهم أحيانا فهو صحيح ، ولكن لا يضرّ في ثبوت التباني منهم دائما مع الالتفات ؛ ولا يضرّ في استكشاف مشاركة الشارع معهم في تبانيهم اختلاف أسباب التباني عندهم ، من جهة مجرّد الكون السابق ، أو من جهة الاطمئنان عندهم ، أو الظنّ لأجل الغلبة ، أو لأيّ شيء آخر من هذا القبيل ، فهي قاعدة ثابتة عندهم ، فتكون ثابتة أيضا عند الشارع ، ولا يلزم أن يكون ثبوتها عنده من جميع الأسباب التي لاحظوها. وإذا ثبتت عند الشارع فليس ثبوتها عنده إلاّ التعبّد بها من قبله ، فتكون حجّة على المكلّف ، وله. (٢)
نعم ، احتمال كون السبب في بنائهم ولو أحيانا رجاء تحصيل الواقع ، أو الاحتياط من قبلهم قد يضرّ في استكشاف ثبوتها عند الشارع كقاعدة ؛ لأنّها لا تكون عندهم كقاعدة ؛ لأجل الحالة السابقة ، ولكنّ الرجاء بعيد جدّا من قبلهم ما لم يكن هناك عندهم اطمئنان ، أو ظنّ ، أو تعبّد بالحالة السابقة ؛ لاحتمال أنّ الواقع غير الحالة السابقة ، بل قد يترتّب على عدم البقاء أغراض مهمّة ، فالبناء على البقاء خلاف الرجاء. وكذلك الاحتياط قد يقتضي البناء على عدم البقاء. فهذه الاحتمالات ساقطة في كونها سببا لتباني العقلاء ولو أحيانا.
ثانيا : بعد التسليم بأنّ منشأ بناء العقلاء هو التعبّد ببقاء ما كان ، نقول : إنّ هذا لا يستكشف منه حكم الشارع إلاّ إذا أحرزنا رضاه ببنائهم ، وثبت لدينا أنّه ماض عنده. ولكن لا دليل على هذا الرضا والإمضاء ، بل إنّ عمومات الآيات والأخبار الناهية عن اتّباع غير العلم كافية في الردع عن اتّباع بناء العقلاء. (٣) وكذلك ما دلّ على البراءة والاحتياط في الشبهات. بل احتمال عمومها للمورد كاف في تزلزل اليقين بهذه المقدّمة. فلا وجه لاتّباع هذا البناء ؛ إذ لا بدّ في اتّباعه من قيام الدليل على أنّه ممضى من قبل
__________________
(١) أي مع التوجّه إلى ذلك التباني والاتّباع.
(٢) أي : تكون حجّة للشارع على المكلّف ، وللمكلّف على الشارع.
(٣) وهذا ينافي ما تقدّم منه في حجيّة خبر الواحد من أنّ الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم لا يمكن أن تكون رادعة إلاّ على وجه دائر ، ضرورة أنّه لا فرق في اعتبار السيرة العقلائيّة بين المقامين.