بالبديهة غير توقّف مرجّحه على مرجّحه (١) الذي هو المدّعى.
وأمّا : أنّه لا يستلزمه فكذلك واضح ، فإنّه إذا تصوّرنا هناك خبرين متعارضين : ١ ـ مشهورا موافقا للعامّة. ٢ ـ شاذّا مخالفا لهم ؛ فإنّ الترجيح للشاذّ بالمخالفة إنّما يتوقّف على حجّيّته الاقتضائيّة الثابتة له في نفسه ، لا على فعليّة حجّيّته ، ولا على عدم فعليّة حجّيّة المشهور في قباله ، بل فعليّة حجّيّة الشاذّ تنشأ من الترجيح له بالمخالفة ، ويترتّب عليها حينئذ عدم فعليّة حجّيّة المشهور.
وكذلك الترجيح للمشهور بالشهرة إنّما يتوقّف على حجّيّته الاقتضائيّة الثابتة له في نفسه ، لا على فعليّة حجّيّته ، ولا على عدم فعليّة حجّيّة الشاذّ في قباله ، بل فعليّة حجّيّة المشهور تنشأ من الترجيح له بالشهرة ، ويترتّب عليها حينئذ عدم فعليّة حجّيّة الشاذّ.
وعليه ، فكما لا يتوقّف الترجيح بالشهرة على عدم فعليّة الشاذّ المقابل له ، كذلك لا يتوقّف الترجيح بالمخالفة على عدم فعليّة المشهور المقابل له ، ومن ذلك يتّضح أنّه كما يقتضي الحكم بحجّيّة المشهور عدم حجّيّة الشاذّ ، فلا معنى لحمله على بيان الحكم الواقعيّ ، كذلك يقتضي الحكم بحجّيّة الشاذّ عدم حجّيّة المشهور ، فلا معنى لحمله على بيان الحكم الواقعيّ. وليس الأوّل أولى بالتقديم من الثاني.
نعم ، إذا دلّ دليل خاصّ ـ مثل المقبولة ـ على أولويّة الشهرة بالتقديم من المخالفة ـ فهذا شيء آخر ـ هو مقتضى الدليل ، لا أنّه مقتضى القاعدة.
والنتيجة أنّه لا قاعدة هناك تقتضي تقديم أحد المرجّحات على الآخر ، ما عدا الشهرة التي دلّت المقبولة على تقديمها ، وما عدا ذلك فالمقدّم هو الأقوى مناطا ، ـ أي ما هو الأقرب إلى الواقع في نظر المجتهد ـ ، فإن لم يحصل التفاضل من هذه الجهة فالقاعدة هي التساقط ، لا التخيير. ومع التساقط يرجع إلى الأصول العمليّة التي يقتضيها المورد.
المقام الثالث : في التعدّي عن المرجّحات المنصوصة
لقد اختلفت أنظار الفقهاء في وجوب الترجيح بغير المرجّحات المنصوصة على أقوال :
__________________
(١) أي : مرجّح الأوّل على مرجّح الثاني.