الأمر الثالث : المرجّحات
تقدّم أنّ من شروط تحقّق التعارض أن يكون كلّ من الدليلين واجدا لشرائط الحجّيّة في حدّ نفسه ؛ (١) لأنّه لا تعارض بين الحجّة واللاحجّة ، (٢) فإذا بحثنا عن المرجّحات فالذي نعنيه أن نبحث عمّا يرجّح الحجّة على الأخرى ، بعد فرض حجّيّتهما معا في أنفسهما ، لا عمّا يقوّم أصل الحجّة ، ويميّزها عن اللاحجة. وعليه ، فالجهة التي تكون من مقوّمات الحجّة مع قطع النظر عن المعارضة لا تدخل في مرجّحات باب التعارض ، بل تكون من مميّزات الحجّة عن اللاحجّة.
ومن أجل هذا يجب أن نتنبّه إلى الروايات المذكورة في باب الترجيحات ، وإلى أنّها واردة في صدد أيّ شيء من ذلك؟ في صدد الترجيح أو التمييز؟
فلو كانت على النحو الثاني لا يكون فيها شاهد على ما نحن فيه ، كما قاله الشيخ صاحب الكفاية قدسسره في روايات الترجيح بموافقة الكتاب (٣) كما سيأتي (٤).
إذا عرفت ما ذكرناه من جهة البحث التي نقصدها في بيان المرجّحات ، فنقول : إنّ المرجّحات ـ المدّعى أنّها منصوص عليها في الأخبار ـ خمسة أصناف :
الترجيح بالأحدث تأريخا ، وبصفات الراوي ، وبالشهرة ، وبموافقة الكتاب ، وبمخالفة العامّة.
فينبغي أوّلا : البحث عنها واحدة واحدة ، ثمّ بيان أيّة منها أولى بالتقديم لو تعارضت؟ ثمّ بيان أنّه هل يجب الاقتصار عليها ، أو يتعدّى إلى غيرها؟ فهنا ثلاثة مقامات :
__________________
(١) تقدّم في الصفحة : ٥٤٦.
(٢) كما لا تعارض بين اللاحجّتين.
(٣) كفاية الأصول : ٥٠٥ ـ ٥٠٦.
(٤) سيأتي في الصفحة : ٥٨٥.