على تقدير الخطأ في تركهما لا معذّر له في مخالفة الواقع ، بينما أنّه معذور في مخالفة الواقع لو أخذ بأحدهما. وهذا بخلاف ما لو لم يكن هذا الدليل الخاصّ موجودا ، فإنّه يجوز له ترك العمل بهما معا ، وإن استلزم مخالفة الواقع ؛ إذ لا منجّز للواقع بالمتعارضين بمقتضى الأدلّة العامّة.
إذا عرفت ما ذكرنا فلنذكر لك أخبار الباب ليتّضح الحقّ في المسألة ، فإنّ منها : ما يدلّ على التخيير مطلقا ، ومنها : ما يدلّ على التخيير في صورة التعادل ، ومنها : ما يدلّ على التوقّف. ثمّ نعقب عليها بما يقتضي ، فنقول : إنّ الذي عثرنا عليه من الأخبار هو كما يلي :
١. خبر الحسن بن الجهم عن الرضا عليهالسلام : قلت : يجيئنا الرجلان ـ وكلاهما ثقة ـ بحديثين مختلفين ، فلا نعلم أيّهما الحقّ؟ قال : «فإذا لم تعلم ، فموسّع عليك بأيّهما أخذت». (١)
وهذا الحديث بهذا المقدار منه ظاهر في التخيير بين المتعارضين مطلقا ، ولكن صدره ـ الذي لم نذكره (٢) ـ مقيّد بالعرض على الكتاب ، والسنّة ، فهو يدلّ على أنّ التخيير إنّما هو بعد فقدان المرجّح ، ولو في الجملة. (٣)
٢. خبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله عليهالسلام : «إذا سمعت من أصحابك الحديث ، وكلّهم ثقة فموسّع عليك ، حتى ترى القائم فتردّ عليه». (٤)
وهذا الخبر أيضا يستظهر منه التخيير مطلقا من كلمة «فموسّع عليك» ، ويقيّد بالروايات الآتية الدالّة على الترجيح.
ولكن يمكن أن يناقش في استظهار التخيير منه :
أوّلا : بأنّ الخبر وارد في فرض التمكّن من لقاء الإمام والأخذ منه ، فلا يعلم شموله لحال الغيبة الذي يهمّنا إثباته ؛ لأنّ الرخصة في التخيير مدّة قصيرة لا تستلزم الرّخصة فيه أبدا ولا تدلّ عليها. (٥)
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٨٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٤٠.
(٢) وهو قوله عليهالسلام : «ما جاءك عنّا فقس على كتاب الله وأحاديثنا».
(٣) هكذا ناقش فيه المحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية ٣ : ٣٦١ ـ ٣٦٢.
(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٨٧ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ٤١.
(٥) بهذا ناقش فيه المحقّق الأصفهاني في نهاية الدراية ٣ : ٣٦٣.