معه فالدليل الدالّ على حجّيّة الأمارة يعتبر الأمارة بيانا تعبّدا ، وبهذا التعبّد يرتفع موضوع البراءة العقليّة ، وهو عدم البيان. وهكذا الحال في قاعدتي الاحتياط والتخيير ، فإنّ موضوع الأولى عدم المؤمّن من العقاب ، والأمارة بمقتضى دليل حجّيّتها مؤمّنة منه ، وموضوع الثانيّة الحيرة في الدوران بين المحذورين ، والأمارة بمقتضى دليل حجّيّتها مرجّحة لأحد الطرفين ، فترتفع الحيرة.
وبهذا البيان لمعنى الورود يتّضح الفرق بينه وبين الحكومة ، فإنّ ورود أحد الدليلين باعتبار كون أحدهما رافعا لموضوع الآخر حقيقة ، لكن بعناية التعبّد ، (١) فيكون الأوّل واردا على الثاني ، أمّا : الحكومة فإنّها لا توجب خروج مدلول الحاكم عن موضوع مدلول المحكوم وجدانا ، وعلى وجه الحقيقة ، بل الخروج فيها إنّما يكون حكميّا ، وتنزيليّا ، وبعناية ثبوت المتعبّد به اعتبارا. (٢)
٦. القاعدة في المتعارضين (التساقط أو التخيير)
أشرنا فيما تقدّم (٣) إلى أنّ القاعدة في التعادل بين المتزاحمين هو التخيير بحكم العقل ، وذلك محلّ وفاق. أمّا : في تعادل المتعارضين فقد وقع الخلاف في أنّ القاعدة هي التساقط أو التخيير؟
__________________
(١) أي : يكون خروج المورود عن تحت موضوع دليل آخر ناشئا عن تصرّف من ناحية الحاكم ، بحيث لو لا هذا التصرّف لكان دليل المورود شاملا له ، كخروج الشبهة عند قيام الأمارة ، أو الأصل الشرعي عليها عن موضوع حكم العقل بالبراءة ، والاحتياط ، والتخيير ؛ فإنّ خروجها عنه إنّما يكون ببركة التعبّد بالأمارات ، والأصول ـ وهذا تصرّف من ناحية الحاكم ـ ، ولو لا التعبّد بها كانت الشبهة داخلة في موضوع الأصول العمليّة.
(٢) أي : دليل الحاكم يتصرّف فيما يتكفّله دليل المحكوم من الحكم الشرعى بعناية التصرّف في الموضوع ، فينفي وجود الموضوع ، أو يثبته ، بأن يتصرّف ، إمّا في موضوع دليل المحكوم بإدخال ما يكون خارجا عنه ، أو بإخراج ما يكون داخلا فيه ، كقوله : «زيد عالم» أو «زيد ليس بعالم» عقيب قوله : «أكرم العالم» ، وإمّا في محمول دليل المحكوم بتضييق دائرة الحكم ، وتخصيصه ببعض حالاته ، كقوله (تعالى) : ﴿ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ وقوله صلىاللهعليهوآله : «لا ضرر ولا ضرار».
(٣) راجع الصفحة : ١٩٥ من هذا الجزء.