حتى يجب التخيير ، بل حينئذ يتساقطان ، أي إنّ كلاّ منهما يكون ساقطا عن الحجّيّة الفعليّة وخارجا عن دليل الحجّيّة.
وإن كان الثاني ، فنقول :
أوّلا : لا يصحّ أن يفرض التخيير من جهة الواقع إلاّ إذا علم بإصابة أحدهما للواقع ، ولكن ليس ذلك أمرا لازما في الحجّتين المتعارضتين ؛ إذ يجوز فيهما أن تكونا معا كاذبتين. وإنّما اللازم فيهما من جهة التعارض هو العلم بكذب إحداهما ، لا العلم بمطابقة إحداهما للواقع. وعلى هذا ، فليس الواقع محرزا في إحداهما ، حتى يجب التخيير بينهما من أجله.
وثانيا : على تقدير حصول العلم بإصابة أحدهما (١) غير المعيّن للواقع ، فإنّه أيضا لا وجه للتخيير بينهما ؛ إذ لا وجه للتخيير بين الواقع وغيره ، وهذا واضح.
وغاية ما يقال ، أنّه إذا حصل العلم بمطابقة أحدهما للواقع فإنّ الحكم الواقعيّ يتنجّز بالعلم الإجماليّ ، وحينئذ يجب إجراء قواعد العلم الإجماليّ فيه. ولكن لا يرتبط حينئذ بمسألتنا ـ وهي مسألة أنّ القاعدة في المتعارضين هو التساقط أو التخيير؟ ـ ؛ لأنّ قواعد العلم الإجماليّ تجري حينئذ حتى مع العلم بعدم حجّيّة الدليلين معا. وقد يقتضي العلم الإجماليّ في بعض الموارد التخيير ، وقد يقتضي الاحتياط في البعض الآخر على اختلاف الموارد.
إذا عرفت ذلك ، فيتحصّل أنّ القاعدة الأوّليّة بين المتعارضين هو التساقط ، مع عدم حصول مزيّة في أحدهما تقتضي الترجيح.
أمّا : لو كان الدليلان المتعارضان يقتضيان معا نفي حكم ثالث فهل مقتضى تساقطهما عدم حجّيّتهما في نفى الثالث؟
الحقّ أنّه لا يقتضي ذلك (٢) ؛ لأنّ المعارضة بينهما أقصى ما تقضي سقوط (٣) حجّيّتهما في
__________________
(١) أي أحد الدليلين المتعارضين.
(٢) كما في فوائد الأصول ٤ : ٧٥٥.
(٣) خبر «أقصى» ، والجملة خبر «أنّ».