٤. أن يكون أحد الواجبين وجوبه مشروطا بالقدرة الشرعيّة دون الآخر. والمراد من القدرة الشرعيّة هي القدرة المأخوذة في لسان الدليل شرطا للوجوب ، كالحجّ المشروط وجوبه بالاستطاعة ، ونحوه.
ومع فرض المزاحمة بينه وبين واجب آخر وجوبه غير مشروط بالقدرة ، لا يحصل العلم بتحقّق ما هو شرط في الوجوب ؛ لاحتمال أنّ مزاحمته للواجب الآخر تكون سالبة للقدرة المعتبرة في الوجوب ، ومع عدم اليقين بحصول شروط الوجوب لا يحصل اليقين بأصل التكليف ، فلا يزاحم ما كان وجوبه منجّزا معلوما.
ولو قال قائل : إنّ كلّ واجب مشروط وجوبه بالقدرة عقلا ؛ إذن فالواجب الآخر أيضا مشروط بالقدرة ؛ فأيّ فرق بينهما؟
فالجواب : نحن نسلّم باشتراط كلّ واجب بالقدرة عقلا ، لكنّه لمّا لم تؤخذ القدرة في الواجب الآخر في لسان الدليل ، فهو من ناحية الدلالة اللفظيّة مطلق ، وإنّما العقل هو الذي يحكم بلزوم القدرة. ويكفي في حصول شرط القدرة العقليّة نفس تمكّن المكلّف من فعله ، ولو مع فرض المزاحمة ؛ إذ لا شكّ في أنّ المكلّف في فرض المزاحمة قادر ومتمكّن من فعل هذا الواجب المفروض ، وذلك بترك الواجب المزاحم له المشروط بالقدرة الشرعيّة.
والخلاصة أنّ الواجب الآخر وجوبه منجّز فعليّ ؛ لحصول شرطه ، وهو القدرة العقليّة ، بخلاف مزاحمه المشروط ؛ لما ذكرنا من احتمال أنّ ما أخذ في الدليل قدرة خاصّة لا تشمل هذه القدرة الحاصلة عند المزاحمة ، فلا يحرز تنجّزه ، ولا تعلم فعليّته.
وعليه ، فيرتفع التزاحم بين الوجوبين من رأس ، ويخلو الجوّ للواجب المطلق وإن كان مشروطا بالقدرة العقليّة.
٥. أن يكون أحد الواجبين مقدّما بحسب زمان امتثاله على الآخر ، كما لو دار الأمر بين القيام للركعة المتقدّمة ، وبين القيام لركعة بعدها ، في فرض كون المكلّف عاجزا عن القيام للركعتين معا ؛ متمكّنا من إحداهما فقط ، فإنّه ـ في هذا الفرض ـ يكون المتقدّم مستقرّ الوجوب في محلّه ؛ لحصول القدرة الفعليّة بالنسبة إليه. فإذا فعله انتفت القدرة الفعليّة بالنسبة إلى المتأخّر ، فلا يبقى له مجال.