٣. أن يتنافى مدلولاهما ـ ولو عرضا وفي بعض النواحي ـ ليحصل التكاذب بينهما ، سواء كان التنافي في مدلولهما المطابقيّ ، أو التضمّنيّ ، أو الالتزاميّ.
والجامع في ذلك أن يؤدّيا إلى ما لا يمكن تشريعه ، ويمتنع جعله في نفس الأمر ، ولو كان هذا الامتناع لأمر خارج عن نفس مدلولهما ، كما في تعارض دليل وجوب صلاة الجمعة مع دليل وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة ؛ فإنّ الدليلين في نفسهما لا تكاذب بينهما ؛ إذ لا يمتنع اجتماع وجوب صلاتين في وقت واحد ، ولكن لمّا علم من دليل خارج أنّه لا تجب إلاّ صلاة واحدة في الوقت الواحد فإنّهما يتكاذبان حينئذ بضميمة هذا الدليل الثالث الخارج عنهما.
وعلى هذا ، فيمكن تحديد الضابط للتعارض بأن يقال : «الضابط في التعارض : امتناع اجتماع مدلوليهما في الوعاء المناسب لهما ، إمّا من ناحية تكوينيّة ، أو من ناحية تشريعيّة».
أو يقال بعبارة جامعة : «الضابط في التعارض ، تكاذب الدليلين على وجه يمتنع اجتماع صدق أحدهما مع صدق الآخر».
ومن هنا يعلم أنّ التعارض ليس وصفا للمدلولين ـ كما قيل ـ (١) ، بل المدلولان يوصفان بأنّهما متنافيان ، لا متعارضان. وإنّما التعارض وصف للدليلين بما هما دليلان على أمرين متنافيين لا يجتمعان ؛ لأنّ امتناع صدق الدليلين معا ، وتكاذبهما إنّما ينشأ من تنافي المدلولين ؛ ولأجل هذا قال صاحب الكفاية : «التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلّة بحسب الدلالة ومقام الإثبات». (٢) فحصر التعارض في مقام الإثبات ، ومرحلة الدلالة.
٤. أن يكون كلّ من الدليلين واجدا لشرائط الحجّيّة ، بمعنى أنّ كلاّ منهما ـ لو خلّي ونفسه ، ولم يحصل ما يعارضه ـ لكان حجّة يجب العمل بموجبه ، وإن كان أحدهما ـ لا على التعيين ـ بمجرّد التعارض يسقط عن الحجّيّة بالفعل.
والسرّ في ذلك واضح ؛ فإنّه لو كان أحدهما غير واجد لشرائط الحجّيّة في نفسه
__________________
(١) والقائل الشيخ الأنصاريّ ، تبعا للسيد عميد الدين في منية اللبيب والمحقّق القمّي في القوانين. فرائد الأصول ٢ : ٧٥٠ ؛ منية اللبيب (مخطوط) : ١٦٩ ؛ قوانين الأصول ٢ : ٢٦٧.
(٢) كفاية الأصول : ٤٩٦.