تعقيبا على ذلك : «وهذا قول لا فائدة في بيانه والجواب عنه إلاّ التحرّز عن حصول هذا الوهم لغيرهم ، كما حصل لهم ، وإلاّ فمدّعي القطع لا يلزم بذكر ضعف مبنى قطعه ...» (١).
وأمّا : القائلون بحجّيّة الخبر الواحد فقد اختلفوا أيضا ، فبعضهم يرى أنّ المعتبر من الأخبار هو كلّ ما في الكتب الأربعة ، بعد استثناء ما كان فيها مخالفا للمشهور (٢). وبعضهم يرى أنّ المعتبر بعضها ، والمناط في الاعتبار عمل الأصحاب ، كما يظهر ذلك من المنقول عن المحقّق في «المعارج» (٣). وقيل : المناط فيه عدالة الراوي (٤) أو مطلق وثاقتة (٥) ، أو مجرّد الظنّ بالصدور من غير اعتبار صفة في الراوي ... (٦) إلى غير ذلك من التفصيلات.
والمقصود لنا الآن بيان إثبات حجّيّته بالخصوص ـ في الجملة ـ في مقابل السلب الكلّيّ ، ثمّ ننظر في مدى دلالة الأدلّة على ذلك. فالعمدة أن ننظر أوّلا : في الأدلّة التي ذكروها من الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، وبناء العقلاء ، ثمّ في مدى دلالتها :
أ. أدلّة حجّيّة خبر الواحد من الكتاب العزيز
تمهيد
لا يخفى أنّ من يستدلّ على حجّيّة خبر الواحد بالآيات الكريمة لا يدّعي أنّها نصّ قطعيّ الدلالة على المطلوب ، وإنّما أقصى ما يدّعيه أنّها ظاهرة فيه. (٧)
وإذا كان الأمر كذلك فقد يشكل (٨) الخصم بأنّ الدليل على حجّيّة الحجّة يجب أن يكون
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ١٠٩.
(٢) وهذا ما ذهب إليه المحقّق المولى أحمد النراقيّ في مناهج الأحكام والأصول : ١٦١ و ١٦٧.
(٣) معارج الأصول : ١٤٩. واختاره الفاضل التونيّ في الوافية في أصول الفقه : ١٦٦.
(٤) هذا ما اختاره العلاّمة الحلّي ، وصاحب المعالم. راجع مبادئ الوصول : ٢٠٦ ، ومعالم الدين : ٢٢١.
(٥) وهذا منسوب إلى شيخ الطائفة. راجع معارج الأصول : ١٤٩ ، وقوانين الأصول ١ : ٤٥٩.
(٦) كما يظهر من المحقّق القمي في قوانين الأصول ١ : ٤٥٦. وصرّح بذلك أيضا صاحب الفصول في الفصول الغرويّة : ٢٩٤.
(٧) أي في المطلوب.
(٨) هذا الاستعمال صحيح بالتضمّن والتضمين.