والثاني : بمعنى الظهور عليه ـ يعني العلم به واستكشافه ، أو التصدّي للعلم به وطلبه ـ فيكون فعلها متعدّيا ، فتقول : «تبيّنت الشيء» إذا علمته ، أو إذا تصدّيت للعلم به وطلبته.

وعلى المعنى الثاني ـ وهو التصدّي للعلم به ـ يتضمّن معنى التثبّت فيه (١) والتأنّي فيه لكشفه وإظهاره والعلم به. ومنه قوله (تعالى) في سورة النساء : ﴿إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا (٢) ؛ ومن أجل هذا قرئ بدل ﴿فَتَبَيَّنُوا : «فتثبّتوا». ومنه كذلك هذه الآية التي نحن بصددها ﴿إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... ، وكذلك قرئ فيها «فتثبّتوا» (٣) ، فإنّ هذه القراءة ممّا تدلّ على أنّ المعنيين ـ وهما التبيّن والتثبّت ـ متقاربان.

٢. ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ ، يظهر من كثير من التفاسير أنّ هذا المقطع من الآية كلام مستأنف ، جاء لتعليل وجوب التبيّن (٤). وتبعهم على ذلك بعض الأصوليّين الذين بحثوا [عن] هذه الآية هنا (٥).

ولأجل ذلك قدّروا لكلمة ﴿فَتَبَيَّنُوا مفعولا ، فقالوا ـ مثلا ـ : «معناه : فتبيّنوا صدقه من كذبه» ، (٦) كما قدّروا لتحقيق نظم الآية وربطها ـ لتصلح هذه الفقرة أن تكون تعليلا ـ كلمة تدلّ على التعليل ، بأن قالوا : «معناها : خشية أن تصيبوا قوما بجهالة ، أو حذرا أن تصيبوا ، أو لئلاّ تصيبوا قوما ...» ونحو ذلك (٧).

وهذه التقديرات كلّها تكلّف وتمحّل ، لا تساعد عليها قرينة ولا قاعدة عربيّة. ومن العجيب أن يؤخذ ذلك بنظر الاعتبار ويرسل إرسال المسلّمات.

والذي أرجّحه أنّ مقتضى سياق الكلام والاتّساق مع أصول القواعد العربيّة أن يكون

__________________

(١) أي التوقّف فيه.

(٢) النساء (٤) الآية : ٩٤.

(٣) وقد حكي قراءة «فتثبّتوا» عن ابن مسعود ، وحمزة ، والكسائي ، كما في : الكشاف ٤ : ٣٦٠ ، وكنز الدقائق ٩ : ٥٨٩ ، وتفسير البيضاوي ٢ : ٤١٦.

(٤) مجمع البيان ٩ : ١٩٩ ؛ الميزان ١٨ : ٣١١.

(٥) كالشيخ في فرائد الأصول ١ : ١١٧.

(٦) مجمع البيان ٩ : ١٩٩ ؛ التبيان ٩ : ٣٤٣.

(٧) مجمع البيان ٩ : ١٩٩ ؛ الميزان ٨ : ٣١١.

۶۸۸۱