إذا عرفت هذه الشروح لمفردات الآية الكريمة يتّضح لك معناها ، وما تؤدّي إليه من دلالة على المقصود في المقام أنّها تعطي أنّ النبأ من شأنه أن يصدّق به عند الناس ، ويؤخذ به من جهة أنّ ذلك من سيرتهم ، وإلاّ فلما ذا نهى عن الأخذ بخبر الفاسق من جهة أنّه فاسق؟
فأراد (تعالى) أن يلفت أنظار المؤمنين إلى أنّه لا ينبغي أن يعتمدوا على كلّ خبر من أيّ مصدر كان ، بل إذا جاء به فاسق ينبغي ألاّ يؤخذ به بلا تروّ ، وإنّما يجب فيه (١) أن يتثبّتوا [من] أن يصيبوا قوما بجهالة ، أي بفعل ما فيه سفه وعدم حكمة قد يضرّ بالقوم. والسرّ في ذلك أنّ المتوقّع من الفاسق ألاّ يصدق في خبره ، فلا ينبغي أن يصدّق ويعمل بخبره.
فتدلّ الآية ـ بحسب المفهوم ـ على أنّ خبر العادل يتوقّع منه الصدق ، فلا يجب فيه الحذر والتثبّت من إصابة قوم بجهالة. ولازم ذلك أنّه حجّة.
والذي نقوله ونستفيده وله دخل في استفادة المطلوب من الآية أنّ النبأ في مفروض الآية ممّا يعتمد عليه عند الناس ، وتعارفوا الأخذ به بلا تثبّت ، وإلاّ لما كانت حاجة للأمر فيه بالتبيّن في خبر الفاسق ، إذا كان النبأ من جهة ما هو نبأ لا يعمل به الناس.
ولمّا علّقت الآية وجوب التبيّن والتثبّت على مجيء الفاسق يظهر منه بمقتضى مفهوم الشرط أنّ خبر العادل ليس له هذا الشأن ، بل الناس لهم أن يبقوا فيه على سجيّتهم من الأخذ به وتصديقه من دون تثبّت وتبيّن لمعرفة صدقه من كذبه ، من جهة خوف إصابة قوم بجهالة. وطبعا لا يكون ذلك إلاّ من جهة اعتبار خبر العادل وحجّيّته ؛ لأنّ المترقّب منه الصدق ، فيكشف ذلك عن حجّيّة قول العادل عند الشارع ، وإلغاء احتمال الخلاف فيه.
والظاهر أنّه بهذا البيان للآية يرتفع كثير من الشكوك التي قيلت على الاستدلال بها على المطلوب ، فلا نطيل في ذكرها وردّها. (٢)
الآية الثانية : آية النفر
وهي قوله (تعالى) في سورة التوبة : ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِ
__________________
(١) أي في الأخذ به.
(٢) وإن شئت فراجع فرائد الأصول ١ : ١١٧ ـ ١١٨ ؛ كفاية الأصول : ٣٤٠ ـ ٣٤١.