قلت: إنّما يوجب ذلك تفاوتاً فيهما لو كان ذلك لأجل تفاوتٍ في ناحية المقدّمة، لا في ما إذا لم يكن تفاوتٌ في ناحيتها أصلاً، كما هاهنا ؛ ضرورة أنّ الموصليّة إنّما تُنتزع من وجود الواجب وترتّبِه عليها، من دون اختلاف في ناحيتها، وكونها في كلتا (١) الصورتين على نحوٍ واحد وخصوصيّةٍ واحدة ؛ ضرورةَ أنّ الإتيان بالواجب بعد الإتيان بها بالاختيار تارةً، وعدمَ الإتيان به كذلك أُخرى، لايوجب تفاوتاً فيها، كما لا يخفى.
الإشكال على الدليل الثالث
وأمّا ما أفاده قدسسره: من أنّ مطلوبيّة المقدّمة حيث كانت بمجرّد التوصّل بها، فلا جرم يكون التوصّل بها إلى الواجب معتبراً فيها.
ففيه: أنّه إنّما كانت مطلوبيّتها لأجل عدم التمكّن من التوصّل بدونها، لا لأجل التوصّل بها ؛ لما عرفت (٢) من أنّه ليس من آثارها، بل ممّا يترتّب عليها (٣) أحياناً بالاختيار بمقدّمات أُخرى - وهي مبادئ اختياره (٤) -، ولا يكاد يكون مثل ذا غايةً لمطلوبيّتها، وداعياً إلى إيجابها.
وصريح الوجدان إنّما يقضي بأنّ ما أُريد لأجل غايةٍ، وتجرَّدَ عن الغاية - بسبب عدم حصول سائر ما له دَخْلٌ في حصولها -، يقعُ على ما هو عليه من المطلوبيّة الغيريّة، كيف ؟ وإلّا يلزم أن يكون وجودها من قيوده، ومقدّمةً
__________________
(١) أدرجنا المثبَت في حقائق الأُصول ومنتهى الدراية، وفي الأصل وبعض الطبعات: كلا الصورتين. وفي « ر »: وفي الصورتين.
(٢) عند قوله في ردّ كلام الشيخ: « وبالجملة يكون التوصّل بها... » في الصفحة ١٦٢.
(٣) في الأصل و « ن » وبعض الطبعات: « عليه » وفي « ر »، « ق »، « ش » ومنتهى الدراية ما أثبتناه.
(٤) الأولى أن يقول: « وهي سائر مقدّماته في الفعل التوليدي، أو هي مع مبادئ اختياره في المباشري » ؛ إذ الفعل التوليدي لا يحتاج إلى الاختيار عنده... ( كفاية الأُصول مع حاشية المشكيني ١: ٥٨٢ ).