استعمال تلك الجمل في معناها الخبري
الطلب - مستعملةً في غير معناها، بل تكون مستعملةً فيه، إلّا أنّه ليس بداعي الإعلام، بل بداعي البعث بنحوٍ آكد ؛ حيث إنّه أخبرَ بوقوع مطلوبه في مقام طلبه، إظهاراً بأنّه لا يرضى إلّا بوقوعه، فيكون آكدَ في البعث من الصيغة، كما هو الحال في الصيغ الإنشائيّة - على ما عرفت من أنّها أبداً تستعمل في معانيها الإيقاعيّة لكن بدواعٍ اخر -، كما مرّ (١).
الإشكال ذلك والجواب عنه
لا يقال: كيف ؟ ويلزم الكذب كثيراً ؛ لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج، تعالى الله وأولياؤه عن ذلك علوّاً كبيراً.
فإنّه يقال: إنّما يلزم الكذب إذا أُتي بها بداعي الإخبار والإعلام، لا لداعي البعث. كيف ؟ وإلّا يلزم الكذب في غالب الكنايات، فمثل: « زيدٌ كثير الرماد » أو « مهزول الفصيل » لا يكون كذباً إذا قيل كنايةً عن جُوده، ولو لم يكن له رمادٌ أو فصيلٌ أصلاً، وإنّما يكون كذباً إذا لم يكن بجواد، فيكون الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ ؛ فإنّه مقال بمقتضى الحال، هذا.
مع أنّه إذا أُتي بها في مقام البيان فمقدّمات الحكمة مقتضيةٌ لحملها على الوجوب ؛ فإنّ تلك النكتة إن لم تكن موجبةً لظهورها فيه، فلا أقلّ من كونها موجبةً لتعيُّنه من بين محتملات ما هو بصدده ؛ فإنّ شدّة مناسبة الإخبار بالوقوع مع الوجوب، موجبةٌ لتعيُّن إرادته إذا كان بصدد البيان، مع عدم نصب قرينة خاصّة على غيره، فافهم.
المبحث الرابع
هل صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب ؟
إنّه إذا سلّم أنّ الصيغة لا تكون حقيقةً في الوجوب، هل لا تكون ظاهرةً فيه أيضاً، أو تكون ؟
__________________
(١) في بداية المبحث الأول من هذا الفصل.