ولذا التجأ بعضُ الفحول (١) إلى جعله جزئيّاً إضافيّاً، وهو كما ترى.
وإن كانت هي الموجبة لكونه جزئيّاً ذهنيّاً - حيث إنّه لا يكاد يكون المعنى حرفيّاً إلّا إذا لوحظ حالةً لمعنىً آخر ومن خصوصيّاته القائمة به، ويكون حاله كحال العرض، فكما لا يكونُ في الخارج إلّا في الموضوع، كذلك هو لا يكونُ في الذهن إلّا في مفهوم آخر ؛ ولذا قيل (٢) في تعريفه: بأنّه ما دلّ على معنىً في غيره - فالمعنى وإن كان لا محالة يصير جزئيّاً بهذا اللحاظ، بحيث يباينه إذا لوحظ ثانياً كما لوحظ أوّلاً، ولو كان اللاحظُ واحداً، إلّا أنّ هذا اللحاظ لا يكاد يكون مأخوذاً في المستعمل فيه (٣)، وإلّا فلابدّ من لحاظ آخر متعلّق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ ؛ بداهة أنّ تصوّر المستعمل فيه ممّا لابدّ منه في استعمال الألفاظ، وهو كما ترى.
مع أنّه يلزم أن لا يصدقَ على الخارجيّات ؛ لامتناع صدق الكلّي العقليّ عليها (٤)، حيثُ لا موطن له إلّا الذهن، فامتنع امتثال مثل: « سِر من البصرة »، إلّا بالتجريد وإلغاء الخصوصيّة، هذا.
مع أنّه ليس لحاظ المعنى حالةً لغيره في الحروف إلّا كلحاظه
__________________
(١) الشيخ محمّد تقي في هداية المسترشدين ١: ١٧٥، وصاحب الفصول في فصوله: ١٦.
(٢) راجع شرح الرضي على الكافية ١: ٣٠، وشرح شذور الذهب: ١٤.
(٣) كان الأنسب أن يقول: لأنّه يتعذّر الاستعمال فيه حينئذ، وإلّا لزم تعدّد اللحاظ، أحدهما: المأخوذ في المستعمل فيه، والآخر: مصحّح الاستعمال. ( حقائق الأُصول ١: ٢٥ ).
(٤) كان الأولى أن يقول: « الجزئي الذهني » ؛ لأنّ المعنى الحرفي في نفسه ليس كلّياً طبيعياً... لأنّ الكلّي العقلي هو الطبيعي المقيّد بوصف الكلّية، وتقييده باللحاظ غير وصف الكلية، فلاحظ. ( حقائق الأُصول ١: ٢٦ ) وراجع كفاية الأُصول مع حاشية المشكيني ١: ٨٧، ومنتهى الدراية ١: ٤٢.