السبب (١) ، بل بأسباب أخر كالتعمّم والتقمّص والتنعّل ، فالحالة الحاصلة منها للإنسان هو الملك ، وأين هذه من الاعتبار الحاصل بمجرّد إنشائه؟
وأمّا الدفع فهو : أنّ الملك يقال (٢) بالاشتراك على ذلك ـ ويسمّى بالجدة أيضا ـ واختصاص شيء بشيء خاصّ ؛ وهو (٣) ناشئ إمّا من جهة إسناد وجوده إليه (٤) ، ككون العالم ملكا للبارئ «جلّ ذكره» ، أو من جهة الاستعمال والتصرّف فيه ، ككون الفرس لزيد بركوبه له وسائر تصرّفاته فيه ، أو من جهة إنشائه والعقد مع من اختياره بيده ، كملك الأراضي والعقار البعيدة للمشتري بمجرّد عقد البيع شرعا وعرفا. فالملك الذي يسمّى بالجدة أيضا غير الملك الّذي هو اختصاص خاصّ ناشئ من سبب اختياريّ كالعقد ، أو غير اختياريّ كالإرث ، ونحوهما من الأسباب الاختياريّة وغيرها.
فالتوهّم إنّما نشأ من إطلاق الملك على مقولة الجدة أيضا ، والغفلة عن أنّه بالاشتراك بينه وبين الاختصاص الخاصّ والإضافة الخاصّة الإشراقيّة كملكه «تعالى» للعالم ، أو المقوليّة كملك غيره لشيء بسبب من تصرّف واستعمال أو إرث أو عقد أو غيرها من الأعمال ؛ فيكون شيء ملكا لأحد بمعنى ولآخر بالمعنى الآخر ، فتدبّر (٥).
إذا عرفت اختلاف الوضع في الجعل ، فقد عرفت أنّه لا مجال لاستصحاب
__________________
(١) أي : بالجعل والإنشاء.
(٢) أي : يحمل.
(٣) أي : الاختصاص.
(٤) أي : إسناد وجود الشيء المختصّ إلى وجود الشيء الخاصّ.
(٥) ولا يخفى : أنّه بقي في المقام امور أخر ، كالصحّة والفساد والطهارة والنجاسة والرخصة والعزيمة. اختلفوا فيها ، فذهب بعضهم إلى أنّ كلّها من الأحكام الوضعيّة ؛ وذهب بعض آخر إلى أنّها من الامور الواقعيّة غير المجعولة ؛ وذهب بعض آخر إلى إلى أنّها من الامور الانتزاعيّة ؛ وفصّل بعض بينها ، فعدّ بعضها من الأحكام الوضعيّة وبعض آخر من الأحكام التكليفيّة أو الامور الواقعيّة أو الانتزاعيّة. فراجع فوائد الاصول ٤ : ٣٩٨ ـ ٤٠٣ ، نهاية الدراية ٣ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، أجود التقريرات ٢ : ٣٨٦ ، مصباح الأصول ٣ : ٨٤ ـ ٨٧ ، نهاية الأفكار ٤ : ٩٧ ـ ٩٩.