ولا يذهب عليك أنّه بضميمة عدم القول بالفصل قطعا بين الحلّيّة والطهارة وبين سائر الأحكام لعمّ الدليل وتمّ.
ثمّ لا يخفى : أنّ ذيل موثّقة عمّار : «فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك» (١) يؤيّد ما استظهرنا منها من كون الحكم المغيّى واقعيّا ثابتا للشيء بعنوانه ، لا ظاهريّا ثابتا له بما هو مشتبه ، لظهوره في أنّه (٢) متفرّع على الغاية وحدها ، وأنّه بيان لها وحدها منطوقها ومفهومها (٣) ، لا لها مع المغيّى ، كما لا يخفى على المتأمّل (٤).
ثمّ إنّك إذا حقّقت ما تلونا عليك ممّا هو مفاد الأخبار فلا حاجة في إطالة
__________________
ـ ظهور الغاية في كونها حدّا للحكم الواقعيّ فيفيد الاستصحاب ، لا حدّا لموضوع الحكم الواقعيّ كي تدلّ على أصالة الطهارة أو أصالة الحلّ.
(١) وسائل الشيعة ٢ : ١٠٥٤ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤.
(٢) الضمير في قوله : «ظهوره» و «أنّه» يرجع إلى ذيل موثّقة عمّار.
(٣) المراد من منطوقها قوله عليهالسلام : «فإذا علمت فقد قذر». والمراد من مفهومها قوله عليهالسلام : «وما لم تعلم فليس عليك».
(٤) لا يخفى : أنّه قد أورد بعض الأعلام على كلامه من وجوه :
منها : أنّ الموضوع في قوله عليهالسلام : «كلّ شيء لك طاهر» أو «حلال» إمّا أن يكون الشيء بما هو هو ، وإمّا أن يكون الشيء بوصف كونه مشكوك الحلّيّة أو مشكوك الطهارة. فعلى الأوّل يلزمه أن يكون المحمول ـ أي طاهر أو حلال ـ حكما واقعيّا ، فإنّ موضوعات الأحكام الواقعيّة انّما هي ذوات الأشياء بما هي هي ومرسلة. وعلى الثاني يلزمه أن يكون المحمول حكما ظاهريّا ، لأنّ موضوعات الأحكام الظاهريّة انّما هي ذوات الأشياء مقيّدة بكونها مشكوكة حكما. ولا يمكن أن يكون المراد منه الأعمّ من المرسل والمشكوك ، ضرورة استحالة لحاظ الشيء مقيّدا وغير مقيّد. فوائد الاصول ٤ : ٣٦٨ ، نهاية الدراية ٣ : ١٠٩.
ومنها : أنّ الحكم الظاهريّ متأخّر عن الحكم الواقعيّ رتبة ، كما أنّ الشيء المشكوك متأخّر عن الشيء المرسل رتبة ، فيكون موضوع الحكم الظاهريّ وحكمه في طول موضوع الحكم الواقعيّ وحكمه ، ولا يعقل جعلهما بانشاء واحد ولحاظهما بلحاظ واحد. فوائد الاصول ٤ : ٣٦٨.
ومنها : أنّ معنى جعل الحكم الظاهريّ هو الحكم بالبناء العمليّ عليه حتّى يعلم خلافه. ومعنى جعل الحكم الواقعيّ هو إنشاء ذاته ، لا البناء العمليّ عليه. والجمع بين هذين الجعلين ممّا لا يمكن. الرسائل (للإمام الخمينيّ) ١ : ١١٣.