بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار ، لما يتخيّل فيه من الاستحكام (١) ؛ بخلاف الظنّ ، فإنّه يظنّ أنّه ليس فيه إبرام واستحكام وإن كان متعلّقا بما فيه اقتضاء ذلك ؛ وإلّا (٢) لصحّ أن يسند إلى نفس ما فيه المقتضي له مع ركاكة مثل «نقضت الحجر من مكانه» ، ولما صحّ أن يقال : «انتقض اليقين باشتعال السراج» فيما إذا شكّ في بقائه للشكّ في استعداده ، مع بداهة صحّته وحسنه.
وبالجملة : لا يكاد يشكّ في أنّ اليقين ـ كالبيعة والعهد ـ إنّما يكون حسن إسناد النقض إليه بملاحظته ، لا بملاحظة متعلّقه ، فلا موجب لإرادة ما هو أقرب إلى الأمر المبرم أو أشبه بالمتين المستحكم ممّا فيه اقتضاء البقاء لقاعدة : «إذا تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات» بعد تعذّر إرادة مثل ذاك الأمر ممّا يصحّ إسناد النقض إليه حقيقة.
فإن قلت : نعم ، ولكنّه حيث لا انتقاض لليقين في باب الاستصحاب حقيقة (٣) ، فلو لم يكن هناك اقتضاء البقاء في المتيقّن لمّا صحّ إسناد الانتقاض إليه بوجه ولو مجازا ؛ بخلاف ما إذا كان هناك (٤) ، فإنّه وإن لم يكن معه أيضا انتقاض حقيقة ، إلّا
__________________
ـ ٢ : ٣٤٧.
ولكن المحقّق الأصفهانيّ قال : «الظاهر أنّ النقض نقيض الإبرام ، وتقابلهما ليس بنحو التضادّ ، ولا بنحو السلب والإيجاب ، بل بنحو العدم والملكة ، فهو الإبرام عمّا من شأنه أن يكون مبرما».
ثمّ أفاد أنّ الإبرام ليس بمعنى الهيئة الاتّصاليّة ـ كما زعمه الشيخ ـ ، ولا بمعنى الإتقان والاستحكام ـ كما زعمه المصنّف ـ ، بل بمعنى هيئة التماسك والاستمساك. والنقض أيضا لا يكون بمعنى رفع الهيئة الاتّصاليّة ، ولا بمعنى عدم الإتقان ، بل بمعنى رفع هيئة التماسك. نهاية الدراية ٣ : ٥٣ ـ ٥٤.
(١) قوله : «لما يتخيّل فيه من الاستحكام» تعليل لحسن إسناد النقض إلى اليقين. وضمير «فيه» راجع إلى اليقين.
(٢) أي : وإن لم يكن مصحّح إسناد النقض إلى اليقين ما في اليقين من الإبرام والاستحكام ، بل كان المصحّح له ما في المتيقّن من اقتضاء الدوام والاستمرار.
(٣) إذ اليقين بالحدوث ثابت ، وانّما الشكّ في البقاء.
(٤) أي : بخلاف ما إذا احرز اقتضاء البقاء في المتيقّن.