وقد حقّقنا في مبحث الضدّ امتناع الأمر بالضدّين مطلقا ولو بنحو الترتّب بما لا مزيد عليه (١) ، فلا نعيد.
[ما أفاد الفاضل التونيّ حول شروط جريان البراءة]
ثمّ إنّه ذكر لأصل البراءة شرطان آخران (٢) :
أحدهما : أن لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعيّ من جهة اخرى (٣).
ثانيهما : أن لا يكون موجبا للضرر على آخر (٤).
ولا يخفى : أنّ أصالة البراءة عقلا ونقلا في الشبهة البدويّة بعد الفحص لا محالة تكون جارية. وعدم استحقاق العقوبة ـ الثابت بالبراءة العقليّة ـ والإباحة أو رفع التكليف ـ الثابت بالبراءة النقليّة ـ لو كان موضوعا لحكم شرعيّ أو ملازما له فلا محيص عن ترتّبه عليه بعد إحرازه (٥). فإن لم يكن مترتّبا عليه بل على نفي التكليف واقعا فهي وإن كانت جارية إلّا أنّ ذاك الحكم لا يترتّب ، لعدم ثبوت
__________________
(١) راجع الجزء الأوّل : ٢٤٧ ـ ٢٤٨.
(٢) ذكرهما الفاضل التونيّ في الوافية : ١٩٣.
(٣) مثاله : ما إذا شكّ في ثبوت الدين على الذمّة ، وإجراء أصالة البراءة من الدين موجب للحكم بوجوب الحجّ ، لحصول الاستطاعة حينئذ.
ومثال آخر : ما إذا شكّ في حرمة شرب التتن ، فتجري البراءة ويوجب جواز بيع التتن.
(٤) وفي الوافية : «مثلا : إذا فتح إنسان قفصا للطائر فطار ، أو حبس شاة فمات ولدها ، أو أمسك رجلا فهربت دابّته ، فإنّه لا يصحّ حينئذ التمسّك ببراءة الذمّة ، بل ينبغي للمفتي التوقّف عن الإفتاء حينئذ ، ولصاحب الواقعة الصلح إذا لم يكن منصوصا بنصّ خاصّ أو عامّ ، لاحتمال اندراج مثل هذه الصورة في قوله : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ، وفيما يدلّ على حكم من أتلف مالا لغيره ...». الوافية : ١٩٣ ـ ١٩٤.
(٥) أي : لو كان عدم استحقاق العقوبة والإباحة موضوعا لحكم شرعيّ أو ملازما له ـ كما إذا شكّ في إباحة شرب التتن فتجري البراءة وتصير موضوعا لجواز البيع ـ فلا محيص عن ترتّب ذلك الحكم الشرعيّ على الإباحة وعدم استحقاق العقوبة بعد إحراز رفع التكليف وثبوت عدم استحقاق العقوبة.