قلت : أمّا الجمل الخبريّة فهي دالّة على ثبوت النسبة بين طرفيها أو نفيها في نفس الأمر من ذهن أو خارج ، ك «الإنسان نوع» أو «كاتب».
وأمّا الصيغ الإنشائيّة فهي ـ على ما حقّقناه في بعض فوائدنا (١) ـ موجدة لمعانيها في نفس الأمر ـ أي قصد ثبوت معانيها وتحقّقها بها ـ ، وهذا نحو من الوجود ، وربما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبار مترتّبة عليه ـ شرعا وعرفا ـ آثار ، كما هو الحال في صيغ العقود والإيقاعات.
نعم ، لا مضايقة في دلالة مثل صيغة الطلب والاستفهام والترجّي والتمنّي بالدلالة الالتزاميّة على ثبوت هذه الصفات حقيقة ، إمّا لأجل وضعها لإيقاعها فيما إذا كان الداعي إليه ثبوت هذه الصفات ، أو انصراف إطلاقها إلى هذه الصورة ، فلو لم تكن هناك قرينة كان إنشاء الطلب أو الاستفهام أو غيرهما بصيغتها لأجل كون الطلب والاستفهام وغيرهما قائمة بالنفس وضعا أو إطلاقا (٢).
إشكال ودفع
أمّا الإشكال : فهو أنّه يلزم ـ بناء على اتّحاد الطلب والإرادة ـ في تكليف الكفّار بالإيمان ، بل مطلق أهل العصيان في العمل بالأركان إمّا أن لا يكون هناك تكليف جدّيّ إن لم يكن هناك إرادة ، حيث إنّه لا يكون حينئذ طلب حقيقيّ ، واعتباره (٣) في الطلب الجدّيّ ربما يكون من البديهيّ ، وإن كان هناك إرادة فكيف تتخلّف عن المراد؟ ولا تكاد تتخلّف ، إذا أراد الله شيئا يقول له كن فيكون (٤).
وأمّا الدفع : فهو أنّ استحالة التخلّف إنّما تكون في الإرادة التكوينيّة ـ وهي العلم بالنظام على النحو الكامل التامّ ـ دون الإرادة التشريعيّة ـ وهي العلم
__________________
(١) فوائد الاصول (للمصنّف) : ١٧.
(٢) وفي بعض النسخ : «لأجل قيام الطلب والاستفهام وغيرهما بالنفس وضعا أو إطلاقا».
(٣) أي : اعتبار الطلب الحقيقيّ.
(٤) مقتبس من قوله تعالى في الآية (٨٢) من السورة يس.