عليها (١) ، حيث لا موطن له إلّا الذهن ، فامتنع امتثال مثل : «سر من البصرة» ، إلّا بالتجريد (٢) وإلغاء الخصوصيّة. هذا.
مع أنّه ليس لحاظ المعنى حالة لغيره في الحروف إلّا كلحاظه في نفسه في الأسماء ، وكما لا يكون هذا اللحاظ معتبرا في المستعمل فيه فيها ، كذلك اللحاظ في الحروف ، كما لا يخفى.
وبالجملة : ليس المعنى في كلمة «من» ولفظ «الابتداء» ـ مثلا ـ إلّا الابتداء. فكما لا يعتبر في معناه لحاظه في نفسه ومستقلّا ، كذلك لا يعتبر في معناها لحاظه في غيرها وآلة (٣) ، وكما لا يكون لحاظه فيه موجبا لجزئيّته فليكن كذلك فيها (٤).
__________________
(١) لا يخفى : أنّ المفروض أنّ المعنى الحرفيّ جزئيّ ذهنيّ ، فلا يصحّ الاستدلال على عدم صدقه على الخارجيّات بامتناع صدق الكلّي العقليّ عليها. فالصحيح إمّا أن يقال : «كامتناع صدق الكلّي العقليّ عليها» أو يقال : «لامتناع صدق الجزئيّ الذهنيّ عليها».
(٢) أي : تجريد المعنى الحرفيّ عن لحاظه حالة لغيره.
(٣) هكذا في النسخ. والصحيح أن يقول : «في غيره وآلة». ومعنى العبارة : أنّه لا يعتبر في معنى كلمة «من» لحاظ المعنى في ضمن غيره وآلة للربط بين معنيين.
(٤) فالوضع والموضوع له والمستعمل فيه في الحروف عامّ كما هو في الأسماء كذلك.
وهذا القول قد ينسب إلى المحقّق الرضيّ ، كما قد ينسب إليه القول بعدم وضع الحروف لمعان أصلا ، بل حالها حال علامات الإعراب في إفادة كيفيّة خاصّة في لفظ آخر. والوجه في نسبتهما إليه هو ما في كلماته من الاضطراب ، راجع شرح الكافية ١ : ٩ ـ ١٠.
ثمّ ينبغي التعرّض لما أفاده الأعلام الثلاثة في المقام :
أمّا المحقّق النائينيّ : فوافق في الشقّ الأوّل ـ أي أنّ الوضع والموضوع له في الحروف عامّ ـ ، وخالفه في الشقّ الثاني ـ أي في كيفيّة الفرق بين المعنى الحرفيّ والاسميّ ـ ، فذهب إلى أنّهما متباينان بالذات والحقيقة ولا اشتراك لهما في طبيعيّ معنى واحد ، فإنّ المفاهيم الاسميّة مفاهيم استقلاليّة اخطاريّة ، والمفاهيم الحرفيّة مفاهيم غير استقلاليّة إيجاديّة. فوائد الاصول ١ : ٣٤ ـ ٥٨.
وأمّا المحقّق الاصفهانيّ : فخالفه في كلا الشقّين ، وذهب ـ بعد اختيار المباينة بالذات بين المعنى الحرفيّ والاسميّ ـ إلى عموم الوضع وخصوص الموضوع له ، بمعنى أنّ الحروف موضوعة للأخصّ من المعنى الملحوظ حال الوضع. نهاية الدراية ١ : ٢٦ ـ ٣٢. ـ