جيّدا (١).
وقد انقدح بما ذكرنا أنّ النكرة في دلالتها على الشياع والسريان أيضا تحتاج ـ فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال ـ إلى مقدّمات الحكمة (٢) ، فلا تغفل.
بقي شيء : [الأصل عند الشكّ في كون المتكلّم في مقام البيان]
وهو أنّه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا شكّ في كون المتكلّم في مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه. وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسّك بالإطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصّة (٣).
__________________
(١) وأورد المحقّق الأصفهانيّ على ما استشهد به المصنّف رحمهالله بأنّ المقيّد المنفصل إنّما يكشف عن عدم كون المتكلّم في مقام البيان من جهة القيد ، لا من سائر الجهات. وانكشاف عدم كونه في مقام البيان من جهة لا يلازم انكشاف عدم كونه في مقام البيان من سائر الجهات ، ولذا يمكن التمسّك بالإطلاق في سائر الجهات. نهاية الدراية ١ : ٦٧١.
(٢) وفي النسخ المخطوطة : «من مقدّمات الحكمة». والصحيح ما أثبتناه.
(٣) لا يخفى : أنّ للشكّ في كونه في مقام البيان صورتين :
الأولى : أن لا يحرز أنّه في مقام البيان من أيّ جهة من الجهات ، بل دار الأمر بين أن يكون في مقام البيان وأن يكون في مقام الإهمال من جميع الجهات ، كما إذا شكّ في قوله تعالى : ﴿أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾ البقرة / ٢٧٥ ، هل يكون في مقام بيان أصل التشريع أو في مقام بيان تمام المراد؟
الثانية : أن يحرز أنّه في مقام البيان من جهة خاصّة ويشكّ في كونه في مقام البيان من جهة اخرى ، كما قال الله تعالى : ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ﴾ المائدة / ٤ ، ونعلم بإطلاقه من جهة أنّ حلّيّة أكله لا تحتاج إلى الذبح ، سواء كان إمساكه من الحلقوم أو من موضع آخر ، كان إلى القبلة أو إلى غيرها ؛ ولا نعلم أنّه في مقام البيان من جهة طهارة محلّ الإمساك أو نجاسته.
ظاهر كلام المصنّف رحمهالله ثبوت بناء العقلاء على حمل كلام المتكلّم على كونه في مقام البيان في كلتا الصورتين. وتبعه المحقّق العراقيّ على ما في نهاية الأفكار ٢ : ٥٧٧.
وخالفه السيّدان العلمان : الإمام الخمينيّ والمحقّق الخوئيّ ـ تبعا للمحقّق النائينيّ ـ ، بدعوى عدم قيام بناء العقلاء على حمل كلام المتكلّم على كونه في مقام البيان في الصورة الثانية. مناهج الوصول ٢ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ، المحاضرات ٥ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ ، أجود التقريرات ١ : ٥٣١.