الأخير لغويّا.
إذا عرفت هذا ، فلا ريب في عدم صحّة تكليف المعدوم عقلا ، بمعنى بعثه أو زجره فعلا ، ضرورة أنّه بهذا المعنى يستلزم الطلب منه حقيقة ، ولا يكاد يكون الطلب كذلك إلّا من الموجود ضرورة.
نعم ، هو (١) بمعنى مجرّد إنشاء الطلب بلا بعث ولا زجر لا استحالة فيه أصلا ، فإنّ الإنشاء خفيف المئونة ، فالحكيم ـ تبارك وتعالى ـ ينشئ على وفق الحكمة والمصلحة طلب شيء قانونا من الموجود والمعدوم حين الخطاب ، ليصير فعليّا بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع (٢) بلا حاجة إلى إنشاء آخر ، فتدبّر.
ونظيره من غير الطلب إنشاء التمليك في الوقف على البطون ، فإنّ المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة بعد وجوده بإنشائه ، ويتلقّى لها من الواقف بعقده ، فيؤثّر في حقّ الموجود منهم الملكيّة الفعليّة ، ولا يؤثّر في حقّ المعدوم فعلا إلّا استعدادها لأن تصير ملكا له بعد وجوده.
هذا إذا أنشئ الطلب مطلقا. وأمّا إذا أنشئ مقيّدا بوجود المكلّف ووجدانه الشرائط فإمكانه بمكان من الإمكان (٣).
وكذلك لا ريب في عدم صحّة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة وعدم إمكانه ، ضرورة عدم تحقّق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة إلّا إذا كان موجودا وكان بحيث يتوجّه إلى الكلام ويلتفت إليه.
ومنه قد انقدح : أنّ ما وضع للخطاب ـ مثل أدوات النداء ـ لو كان موضوعا للخطاب الحقيقيّ لأوجب استعماله فيه (٤) تخصيص ما يقع في تلوه بالحاضرين ،
__________________
(١) أي : التكليف.
(٢) والأولى أن يقول : «بعد ما وجدت الشرائط وفقدت الموانع».
(٣) لا يخفى : أنّ في العبارة مسامحة ظاهرة ، ضرورة أنّ الإمكان لا يتّصف بالإمكان ، والصحيح أن يقول : «فشموله لغير الحاضرين بمكان من الإمكان».
(٤) أي : في الخطاب الحقيقيّ.