ومن هنا صحّ أن يقال : إنّ الصحّة في العبادة والمعاملة لا تختلف ، بل فيهما بمعنى واحد وهو «التماميّة» ، وإنّما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار الّتي بالقياس عليها تتّصف بالتماميّة وعدمها.
وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلّم في صحّة العبادة إنّما يكون لأجل الاختلاف ، فيما هو المهمّ لكلّ منهما من الأثر ـ بعد الاتّفاق ظاهرا على أنّها بمعنى التماميّة ، كما هي معناها لغة (١) وعرفا (٢) ـ ، فلمّا كان غرض الفقيه هو وجوب القضاء أو الإعادة أو عدم الوجوب فسّر صحّة العبادة بسقوطهما ؛ وكان غرض المتكلّم هو حصول الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة فسّرها بما يوافق الأمر تارة ، وبما يوافق الشريعة اخرى (٣).
وحيث إنّ الأمر في الشريعة يكون على أقسام ـ من الواقعيّ الأوّليّ (٤)
__________________
(١) لا يخفى : أنّه لم يفسّر كلمة «الصحّة» في كتب اللغة بالتماميّة. فراجع لسان العرب ٢ : ٥٠٧ ، والصحاح ١ : ٣٨١ ، وغيرهما من كتب اللغة.
(٢) وأنكر السيّد الإمام الخمينيّ مساوقة الصحّة والفساد للتمام والنقصان عرفا ، بدعوى : أنّ النقص بحسب الأجزاء غالبا ، فيقال للإنسان الفاقد لبعض الأعضاء : «إنّه ناقص» ، والتمام مقابله. فبينهما تقابل العدم والملكة. بخلاف الصحّة والفساد ، فإنّ الصحّة يستعمل غالبا في الكيفيّات المزاجيّة أو الشبيهة بها ؛ ومقابلها الفساد بمعنى كيفيّة وجوديّة عارضة للشيء منافرة لمزاجه ومخالفة لطبيعته النوعيّة ؛ فبين الصحّة والفساد تقابل التضادّ لو سلّم كون الصحّة وجوديّة.
ثمّ أفاد أنّ الصحّة والفساد وإن استعملا في الشرع في التمام والنقصان ، إلّا أنّه يمكن أن يكون بوضع جديد ـ وهو بعيد عن الصواب ـ ، ويمكن أن يكون باستعمالهما فيهما مجازا ، ثمّ بلغا إلى حدّ الحقيقة. مناهج الوصول ٢ : ١٥٣ ـ ١٥٤.
(٣) والحاصل : أنّ تفسيرها بإسقاط القضاء ـ كما عن الفقهاء ـ أو بموافقة الشريعة أو موافقة الأمر ـ كما عن المتكلّمين ـ إنّما هو تفسير بالمهمّ من لوازم التماميّة.
ولا يخفى : أنّ كلامه لا يخلو عن المناقشة ، فراجع التعليقة (١) من الصفحة : ٥٤ من الجزء الأوّل.
(٤) كقوله تعالى : ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ.﴾ البقرة / ٤٣.