الأمر الثاني : [صغرويّة المقام لكبرى التزاحم]
قد مرّ في بعض المقدّمات (١) أنّه لا تعارض بين مثل خطاب «صلّ» وخطاب «لا تغصب» على الامتناع ، تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان ، كي يقدّم الأقوى منهما دلالة أو سندا (٢) ، بل إنّما هو من باب تزاحم المؤثّرين والمقتضيين ، فيقدّم الغالب منهما ، وإن كان الدليل على مقتضى الآخر أقوى من دليل مقتضاه.
هذا فيما إذا أحرز الغالب منهما ، وإلّا كان بين الخطابين تعارض ، فيقدّم الأقوى منهما دلالة أو سندا ، وبطريق الإنّ يحرز به أنّ مدلوله أقوى مقتضيا (٣). هذا لو كان كلّ من الخطابين متكفّلا لحكم فعليّ ، وإلّا فلا بدّ من الأخذ بالمتكفّل لذلك (٤) منهما لو كان (٥) ، وإلّا فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الاصول العمليّة.
ثمّ لا يخفى : أنّ ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به (٦) في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأسا كما هو قضيّة التقييد والتخصيص في غيرها ممّا لا يحرز فيه المقتضي لكلا الحكمين ، بل قضيّته (٧) ليس
__________________
(١) راجع الأمر الثامن ، الصفحة : ٢٤ من هذا الجزء.
(٢) وخالفه المحقّق الخوئيّ وجعل المقام على الامتناع من صغريات كبرى باب التعارض.
راجع المحاضرات ٤ : ٤٠٣.
(٣) لا يخفى : أنّه لا تلازم بين قوّة الدلالة وقوّة المدلول كي تكشف من قوّة الدلالة أنّ المدلول أقوى مقتضيا واقعا ، ضرورة أنّه قد يكون الأقوى دلالة أضعف مدلولا من الدليل الّذي يكون أضعف دلالة.
وأفاد السيّد الحكيم ـ في حقائق الاصول ١ : ٤١٠ ـ ما لفظه : «كان المراد أنّ الأقوى لما كان دالّا على فعليّة مؤدّاه مطابقة فقد دلّ على أقوائيّة ملاكه التزاما ، كما أنّ الأضعف كذلك.
فإذا دلّ دليل الترجيح على حجيّة الأقوى وعدم حجّيّة الأضعف فقد دلّ على ثبوت مدلولي الأقوى المطابقيّ والالتزاميّ معا ، فتثبت أقوائيّة ملاكه ظاهرا».
(٤) أي : للحكم الفعليّ.
(٥) أي : لو كان أحدهما فعليّا.
(٦) أي : وتخصيص الدليل الآخر بالدليل الراجح.
(٧) أي : قضيّة ترجيح أحد الدليلين على الآخر في مسألتنا هذه.