إذا عرفت ما مهّدناه عرفت :
١ ـ أنّ المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا كان تعلّق الأمر والنهي به محالا ولو كان تعلّقهما به بعنوانين ، لما عرفت (١) من كون فعل المكلّف بحقيقته وواقعيّته الصادرة عنه متعلّقا للأحكام ، لا بعناوينه الطارئة عليه.
٢ ـ وأنّ غائلة اجتماع الضدّين فيه (٢) لا تكاد ترتفع بكون الأحكام تتعلّق بالطبائع لا الأفراد ، فإنّ غاية تقريبه أن يقال : إنّ الطبائع من حيث هي هي وإن كانت ليست إلّا هي ، ولا تتعلّق بها الأحكام الشرعيّة ـ كالآثار العاديّة والعقليّة (٣) ـ ، إلّا أنّها مقيّدة بالوجود (٤) ـ بحيث كان القيد خارجا والتقيّد داخلا (٥) ـ صالحة لتعلّق الأحكام بها (٦). ومتعلّقا الأمر والنهي على هذا لا يكونان متّحدين أصلا ، لا في مقام تعلّق البعث والزجر ، ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الأمر بإتيان المجمع بسوء الاختيار.
أمّا في المقام الأوّل : فلتعدّدهما بما هما متعلّقان لهما وإن كانا متّحدين فيما هو خارج عنهما بما هما كذلك.
وأمّا في المقام الثاني : فلسقوط أحدهما بالإطاعة والآخر بالعصيان بمجرّد الإتيان ؛ ففي أيّ مقام اجتمع الحكمان في واحد؟
وأنت خبير : بأنّه لا يكاد يجدي (٧) بعد ما عرفت من أنّ تعدّد العنوان لا يوجب
__________________
(١) في المقدّمة الثانية من المقدّمات الأربع.
(٢) أي : في المجمع.
(٣) أي : كما لا يتعلّق بها الآثار العاديّة والعقليّة.
(٤) قوله : «مقيّدة بالوجود» منصوب على الحاليّة أي : حال كون تلك الطبائع مقيّدة بالوجود.
(٥) أي : تكون الطبيعة بقيد الوجود مأمورا بها ، لا أنّ الطبيعة الموجودة مأمور بها.
والفرق بينهما أنّه على الأوّل يكون القيد ـ وهو الوجود ـ خارجا من المتعلّق ، فلا يلزم اتّحاد متعلّقي الأمر والنهي وجودا. وأمّا على الثاني يكون القيد داخلا في المتعلّق ويلزم اتّحادهما وجودا ، واجتماع الأمر والنهي في موجود واحد محال.
(٦) قوله : «صالحة ...» خبر قوله : «أنّها».
(٧) أي : تعلّق الأحكام بالطبائع لا يجدى في جواز الاجتماع.