ثمّ الفرق بين هذا الإيراد وسابقه : أنّ هذا الإيراد مبنيّ على أنّ الآية ناطقة باختصاص مقصود المتكلّم بالحذر عن الامور الواقعيّة ، المستلزم لعدم وجوبه إلاّ بعد إحراز كون الإنذار متعلّقا بالحكم الواقعيّ ، وأمّا الإيراد الأوّل فهو مبنيّ على سكوت الآية عن التعرّض لكون الحذر واجبا على الإطلاق أو بشرط حصول العلم.
الثالث : لو سلّمنا دلالة الآية على وجوب الحذر مطلقا عند إنذار المنذر ولو لم يفد العلم ، لكن لا تدلّ على وجوب العمل بالخبر من حيث إنّه خبر ؛ لأنّ الإنذار هو الإبلاغ مع التخويف ، فإنشاء التخويف مأخوذ فيه ، والحذر هو التخوّف الحاصل عقيب هذا التخويف الداعي إلى العمل بمقتضاه فعلا ، ومن المعلوم أنّ التخويف لا يجب إلاّ على الوعّاظ في مقام الإيعاد على الامور التي يعلم المخاطبون بحكمها من الوجوب والحرمة ، كما يوعد على شرب الخمر وفعل الزنا وترك الصلاة ، أو (١) على المرشدين في مقام إرشاد الجهّال ، فالتخوّف لا يجب إلاّ على المتّعظ أو (٢) المسترشد ، ومن المعلوم أنّ تصديق الحاكي فيما يحكيه من لفظ الخبر الذي هو محلّ الكلام خارج عن الأمرين.
توضيح ذلك : أنّ المنذر إمّا أن ينذر ويخوّف على وجه الإفتاء ونقل ما هو مدلول الخبر باجتهاده ، وإمّا أن ينذر ويخوّف بلفظ الخبر حاكيا له عن الحجّة.
فالأوّل ، كأن يقول : «يا أيّها الناس اتّقوا الله في شرب العصير ؛
__________________
(١) في (ر) : «و».
(٢) في (ت) و (ظ) : «و».