يرجع ذلك إلى باب التزاحم الذي سيأتي التعرّض له.
وبهذا تبطل «شبهة الكعبيّ» المعروفة التي أخذت قسطا وافرا من أبحاث الأصوليّين إذا كان مبناها هذه الملازمة المدّعاة ؛ فإنّه نسب إليه القول بنفي المباح (١) بدعوى أنّ كلّ ما يظنّ من الأفعال أنّه مباح فهو واجب في الحقيقة ؛ لأنّ فعل كلّ مباح ملازم قهرا لواجب وهو ترك محرّم واحد من المحرّمات على الأقلّ.
الثاني : مسلك المقدّميّة
وخلاصته دعوى أنّ ترك الضدّ الخاصّ مقدّمة لفعل المأمور به ، ففي المثال المتقدّم يكون ترك الأكل مقدّمة لفعل الصلاة ، ومقدّمة الواجب واجبة ، فيجب ترك الضدّ الخاصّ.
وإذا وجب ترك الأكل حرم تركه ، ـ أي ترك ترك الأكل ـ ؛ لأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ العامّ ؛ وإذا حرم ترك ترك الأكل ، فإنّ معناه حرمة فعله ؛ لأنّ نفي النفي إثبات ؛ فيكون الضدّ الخاصّ منهيّا عنه. هذا خلاصة مسلك المقدّميّة.
وقد رأيت كيف ابتنى النهي عن الضدّ الخاصّ على ثبوت النهي عن الضدّ العامّ. ونحن إذ قلنا بأنّه لا نهي مولويّ عن الضدّ العامّ فلا يحرم ترك ترك الضدّ الخاصّ حرمة مولويّة ـ أي لا يحرم فعل الضدّ الخاص ـ ، فثبت المطلوب.
على أنّ مسلك المقدّميّة غير صحيح من وجهين آخرين :
أحدهما : أنّه بعد التنزّل عمّا تقدّم ، وتسليم حرمة الضدّ العامّ ، فإنّ هذا المسلك كما هو واضح يبتني على وجوب مقدّمة الواجب ، وقد سبق أن أثبتنا أنّها ليست واجبة بوجوب مولويّ (٢) ، وعليه ، لا يكون ترك الضدّ الخاصّ واجبا بالوجوب الغيريّ المولويّ حتى
__________________
(١) نسب إليه في شرح العضديّ ١ : ٢٠٣ ، ومعالم الدين : ٧٧. وقال في القوانين ١ : ١١٤ : «المباح يجوز تركه خلافا للكعبي ، فإنّه قال بوجوب المباح. والمنقول عنه مشتبه المقصود. فقد يقال : إنّ مراده أنّ كلّ ما هو مباح عند الجمهور فهو واجب عنده لا غير ، وقد يقال : إنّ مراده أنّ كلّ ما كان مباحا بالذات فهو واجب بالعرض.»
(٢) سبق في الصفحة : ٢٩٩ ـ ٣٠٠.