المولويّ عن الفعل.
والسرّ ما قلناه : إنّ نفس الأمر بالشيء كاف في الزجر عن تركه ، كما أنّ نفس النهي عن الفعل كاف للدعوة إلى تركه ، بلا حاجة إلى جعل جديد من المولى في المقامين ، بل لا يعقل الجعل الجديد كما قلنا في مقدّمة الواجب حذو القذّة بالقذّة ، فراجع.
ولأجل هذه التبعيّة الواضحة اختلط الأمر على كثير من المحرّرين لهذه المسألة ، فحسبوا أنّ هناك نهيا مولويّا عن ترك المأمور به وراء الأمر بالشيء اقتضاه الأمر على نحو العينيّة ، أو التضمّن ، أو الالتزام ، أو اللزوم العقليّ. كما حسبوا ـ هنا في مبحث النهي ـ أنّ معنى النهي هو الطلب إمّا للترك أو الكفّ ، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في تحرير النزاع (١).
وهذان التوهّمان في النهي والأمر من واد واحد. وعليه ، فليس هناك طلب للترك وراء الردع عن الفعل في النهي ، ولا نهي عن الترك وراء طلب الفعل في الأمر.
نعم ، يجوز للآمر بدلا من الأمر بالشيء أن يعبّر عنه بالنهي عن الترك ، كأن يقول ـ مثلا ـ بدلا من قوله «صلّ» : «لا تترك الصلاة». ويجوز له بدلا من النهي عن الشيء أن يعبّر عنه بالأمر بالترك ، كأن يقول ـ مثلا ـ بدلا من قوله «لا تشرب الخمر» : «اترك شرب الخمر» ، فيؤدّي التعبير الثاني في المقامين مؤدّى التعبير الأوّل المبدل منه ، أي إنّ التعبير الثاني يحقّق الغرض من التعبير الأوّل.
فإذا كان مقصود القائل بأنّ الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه العامّ هذا المعنى ـ أي إنّ أحدهما يصحّ أن يوضع موضع الآخر ، ويحلّ محلّه في أداء غرض الآمر ـ فلا بأس به وهو صحيح ، ولكن هذا غير العينيّة المقصودة في المسألة على الظاهر.
٢. الضدّ الخاصّ
إنّ القول باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه الخاصّ يبتني ويتفرّع على القول باقتضائه للنهي عن ضدّه العامّ.
ولمّا ثبت ـ حسبما تقدّم ـ أنّه لا نهي مولويّ عن الضدّ العامّ ، فبالطريق الأولى نقول :
__________________
(١) راجع الصفحة : ٣٠٢.