عقليّا صرفا.
والحقّ أنّه لا يقتضيه بأيّ نحو من أنحاء الاقتضاء (١) ، أي إنّه ليس هناك نهي مولويّ عن الترك يقتضيه نفس الأمر بالفعل على وجه يكون هناك نهي مولويّ وراء نفس الأمر بالفعل.
والدليل عليه أنّ الوجوب ـ سواء كان مدلولا لصيغة الأمر ، أو لازما عقليّا لها كما هو الحقّ ـ ليس معنى مركّبا ، بل هو معنى بسيط وحدانيّ ، هو لزوم الفعل ، ولازم كون الشيء واجبا المنع من تركه.
ولكن هذا المنع اللازم للوجوب ليس منعا مولويّا ، ونهيا شرعيّا ، بل هو منع عقليّ تبعيّ من غير أن يكون هناك من الشارع منع ونهي وراء نفس الوجوب. وسرّ ذلك واضح ، فإنّ نفس الأمر بالشيء على وجه الوجوب كاف في الزجر عن تركه ، فلا حاجة إلى جعل للنهي عن الترك من الشارع زيادة على الأمر بذلك الشيء.
فإن كان مراد القائلين بالاقتضاء في المقام أنّ نفس الأمر بالفعل يكون زاجرا عن تركه ، فهو مسلّم ، بل لا بدّ منه ؛ لأنّ هذا هو مقتضى الوجوب ؛ ولكن ليس هذا هو موضع النزاع في المسألة ، بل موضع النزاع هو النهي المولويّ زائدا على الأمر بالفعل ؛ وإن كان مرادهم أنّ هناك نهيا مولويّا عن الترك يقتضيه الأمر بالفعل ـ كما هو موضع النزاع ـ فهو غير مسلّم ، ولا دليل عليه ، بل هو ممتنع.
وبعبارة أوضح وأوسع : أنّ الأمر والنهي متعاكسان ـ بمعنى أنّه إذا تعلّق الأمر بشيء فعلى طبع ذلك يكون نقيضه بالتبع ممنوعا منه ، وإلاّ لخرج الواجب عن كونه واجبا ؛ وإذا تعلّق النهي بشيء فعلى طبع ذلك يكون نقيضه بالتبع مدعوّا إليه ، وإلاّ لخرج المحرّم عن كونه محرّما ... ، ولكن ليس معنى هذه التبعيّة في الأمر أن يتحقّق ـ فعلا ـ نهي مولويّ عن ترك المأمور به بالإضافة إلى الأمر المولويّ بالفعل ، كما أنّه ليس معنى هذه التبعيّة في النهي أن يتحقّق ـ فعلا ـ أمر مولويّ بترك المنهيّ عنه بالإضافة إلى النهي
__________________
(١) كما ذهب إليه الإمام الخمينيّ والمحقّق الخوئيّ من المعاصرين ، فراجع مناهج الوصول ٢ : ١٧ ، والمحاضرات ٣ : ٤٨.