المسألة الثالثة : مسألة الضدّ (١)
تحرير محلّ النزاع
اختلفوا في أنّ الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه أو لا يقتضي؟ على أقوال.
ولأجل توضيح محلّ النزاع وتحريره نشرح مرادهم من الألفاظ التي وردت على لسانهم في تحرير محلّ النزاع هذا ، وهي ثلاثة :
١. «الضدّ» ، فإنّ مرادهم من هذه الكلمة مطلق المعاند والمنافي ، فيشمل نقيض الشيء ، أي إنّ الضدّ عندهم أعمّ من الأمر الوجوديّ والعدميّ (٢). وهذا اصطلاح خاصّ للأصوليّين في خصوص هذا الباب ، وإلاّ فالضدّ مصطلح فلسفيّ يراد به ـ في باب التقابل ـ خصوص الأمر الوجوديّ الذي له مع وجوديّ آخر تمام المعاندة والمنافرة ، وله معه غاية التباعد (٣).
ولذا قسّم الأصوليّون الضدّ إلى «ضدّ عامّ» وهو الترك ـ أي النقيض ـ ، و «ضدّ خاصّ» وهو مطلق المعاند الوجوديّ.
وعلى هذا ، فالحقّ أن تنحلّ هذه المسألة إلى مسألتين : موضوع إحداهما الضدّ العامّ ، وموضوع الأخرى الضدّ الخاصّ ، لا سيّما مع اختلاف الأقوال في الموضوعين.
٢. «الاقتضاء» ، ويراد به لابدّيّة ثبوت النهي عن الضدّ عند الأمر بالشيء ، إمّا لكون الأمر يدلّ عليه بإحدى الدلالات الثلاث : المطابقة ، والتضمّن ، والالتزام ، وإمّا لكونه
__________________
(١) وقع الخلاف بين الأصوليّين في أنّ هذه المسألة هل هي من المسائل الأصوليّة أم لا؟ وعلى الأوّل هل هي من المسائل اللفظيّة أو من المسائل العقليّة؟
والحقّ أنّها من المسائل الأصوليّة العقليّة. أمّا أنّها أصوليّة فلأنّها تقع في طريق استنباط الحكم الشرعيّ فنقول مثلا : «إنّ الشارع أمر بالصلاة ، والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، فالأمر بالصلاة يقتضي النهي عن ضدّها ، فثبتت حرمة ضدّها». وأمّا أنّها عقليّة فلما مرّ من أنّ ما يبحث فيها هو ثبوت الملازمة ، والحاكم بهذه الملازمة إنّما هو العقل.
(٢) كما صرّحوا بذلك ، فراجع مطارح الأنظار : ١١٦ ، وكفاية الأصول ١٦٠ ، نهاية الأفكار ١ : ٣٦٠ ، وفوائد الأصول ١ : ٣٠١.
(٣) شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ١١٦.