يلزمه عقلا النهي عن الضدّ من دون أن يكون لزومه بيّنا بالمعنى الأخصّ حتّى يدلّ عليه بالالتزام. فالمراد من الاقتضاء عندهم أعمّ من كلّ ذلك (١).
٣. «النهي» ، ويراد به النهي المولويّ من الشارع وإن كان تبعيّا ، كوجوب المقدّمة الغيريّ التبعيّ (٢). والنهي معناه المطابقيّ ـ كما سبق في مبحث النواهي (٣) ـ هو الزجر والردع عمّا تعلّق به. وفسّره المتقدّمون بطلب الترك (٤) ، وهو تفسير بلازم معناه ، ولكنّهم فرضوه كأنّ ذلك هو معناه المطابقيّ ، ولذا اعترض بعضهم على ذلك فقال : «إنّ طلب الترك محال ، فلا بدّ أن يكون المطلوب الكفّ» (٥). وهكذا تنازعوا في أنّ المطلوب بالنهي الترك أو الكفّ؟ ولا معنى لنزاعهم هذا إلاّ إذا كانوا قد فرضوا أنّ معنى النهي هو الطلب ، فوقعوا في حيرة في أنّ المطلوب به أيّ شيء هو؟ الترك ، أو الكفّ؟
ولو كان المراد من النهي هو طلب الترك ـ كما ظنّوا ـ لما كان معنى لنزاعهم في الضدّ العامّ ؛ فإنّ النهي عنه معناه ـ على حسب ظنّهم ـ طلب ترك ترك المأمور به. ولمّا كان نفي النفي إثباتا فيرجع معنى النهي عن الضدّ العامّ إلى معنى طلب فعل المأمور به ، فيكون قولهم : «الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ» تبديلا للفظ بلفظ آخر بمعناه ، ويكون عبارة أخرى عن القول بـ «أنّ الأمر بالشيء يقتضي نفسه». وما أشدّ سخف مثل هذا البحث!
ولعلّه لأجل هذا التوهّم ـ أي توهّم أنّ النهي معناه طلب الترك ـ ذهب بعضهم (٦) إلى عينيّة الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ العامّ.
وبعد بيان هذه الأمور الثلاثة في تحرير محلّ النزاع يتّضح موضع النزاع ، وكيفيّته أنّ النزاع معناه يكون أنّه إذا تعلّق أمر بشيء هل إنّه لا بدّ أن يتعلّق نهي المولى بضدّه العامّ أو
__________________
(١) وصرّحوا بذلك أيضا في كتبهم. راجع مطارح الأنظار : ١١٧ ؛ كفاية الأصول ١٦٠ ؛ فوائد الأصول ١ : ٣٠١ ، المحاضرات ٣ : ٨.
(٢) خلافا للمحقّق القميّ حيث زعم أنّ المراد منه خصوص النهي الأصلي. راجع ـ قوانين الأصول ١ : ١١٤.
(٣) راجع الصفحة : ١١٦.
(٤) فسّره به في معالم الدين : ١٠٤ ، وقوانين الأصول ١ : ١٣٥ ـ ١٣٧ ، والفصول الغرويّة : ١٢٠.
(٥) كما ذهب إليه العضديّ في شرحه على مختصر الأصول ١ : ١٠٣.
(٦) وهو صاحب الفصول ، فراجع الفصول الغرويّة : ٩٢.