٨. المقدّمات المفوّتة
ورد في الشريعة المطهّرة وجوب بعض المقدّمات قبل زمان ذيها في الموقّتات ، كوجوب قطع المسافة للحجّ قبل حلول أيّامه ، ووجوب الغسل من الجنابة للصوم قبل الفجر ، ووجوب الوضوء أو الغسل ـ على قول (١) ـ قبل وقت الصلاة عند العلم بعدم التمكّن منه بعد دخول وقتها ... وهكذا.
وتسمّى هذه المقدّمات باصطلاحهم : «المقدّمات المفوّتة» باعتبار أنّ تركها موجب لتفويت الواجب في وقته كما تقدّم.
ونحن نقول : لو لم يحكم الشارع المقدّس بوجوب مثل هذه المقدّمات فإنّ العقل يحكم بلزوم الإتيان بها ؛ لأنّ تركها موجب لتفويت الواجب في ظرفه ، ويحكم أيضا بأنّ التارك لها يستحقّ العقاب على تفويت الواجب في ظرفه بسبب تركها.
ولأوّل وهلة يبدو أنّ هذين الحكمين العقليّين الواضحين لا ينطبقان على القواعد العقليّة البديهيّة في الباب من جهتين :
أمّا أوّلا : فلأنّ وجوب المقدّمة تابع لوجوب ذيها على أيّ نحو فرض من أنحاء التبعيّة ، لا سيّما إذا كان من نحو تبعيّة المعلول لعلّته على ما هو المشهور. فكيف يفرض الوجوب التابع في زمان سابق على زمان فرض الوجوب المتبوع؟!
وأمّا ثانيا : فلأنّه كيف يستحقّ العقاب على ترك الواجب بترك مقدّمته قبل حضور وقته ، مع أنّه حسب الفرض لا وجوب له فعلا؟! وأمّا في ظرفه فينبغي أن يسقط وجوبه ؛ لعدم القدرة عليه بترك مقدّمته ، والقدرة شرط عقليّ في الوجوب.
ولأجل التوفيق بين هاتيك البديهيّات العقليّة التي تبدو كأنّها متعارضة ـ وإن كان يستحيل التعارض في الأحكام العقليّة وبديهيّات العقل ـ حاول جماعة من أعلام الأصوليّين المتأخّرين تصحيح ذلك بفرض انفكاك زمان الوجوب عن زمان الواجب و
__________________
(١) قال به السيّد في العروة الوثقى ، واختاره السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى ٤ : ٤٣٦ ـ ٤٤٠ ، و ٤٩٠ «مسألة ٣٢».