المسألة الثانية : مقدّمة الواجب
تحرير [محلّ] النزاع
كلّ عاقل يجد من نفسه أنّه إذا وجب عليه شيء وكان حصوله يتوقّف على مقدّمات (١) فإنّه لا بدّ له من تحصيل تلك المقدّمات ليتوصّل إلى فعل ذلك الشيء بها (٢).
وهذا الأمر بهذا المقدار ليس موضعا للشكّ والنزاع ، وإنّما الذي وقع موضعا للشكّ وجرى فيه النزاع عند الأصوليّين هو أنّ هذه اللابدّيّة العقليّة للمقدّمة التي لا يتمّ الواجب إلاّ بها هل يستكشف منها اللابدّيّة شرعا أيضا؟ يعني أنّ الواجب هل يلزم عقلا من وجوبه الشرعيّ وجوب مقدّمته شرعا؟ أو فقل على نحو العموم : كلّ فعل واجب عند مولى من الموالي هل يلزم منه عقلا وجوب مقدّمته أيضا عند ذلك المولى؟. وبعبارة رابعة أكثر وضوحا : إنّ العقل ـ لا شكّ ـ يحكم بوجوب مقدّمة الواجب ـ أي يدرك لزومها ـ ، ولكن هل يحكم أيضا بأنّها واجبة أيضا عند من أمر بما يتوقّف عليها؟
وعلى هذا البيان فالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع هي موضع البحث في هذه المسألة.
مقدّمة الواجب من أيّ قسم من المباحث الأصوليّة؟ (٣)
وإذا اتّضح ما تقدّم في تحرير محلّ النزاع نستطيع أن نفهم أنّه في أيّ قسم من أقسام المباحث الأصوليّة ينبغي أن تدخل هذه المسألة.
وتوضيح ذلك أنّ هذه الملازمة ـ على تقدير القول بها ـ تكون على أنحاء ثلاثة : إمّا
__________________
(١) وهي العلل والشرائط ورفع الموانع وغيرها.
(٢) فإنّ العقل يدرك هذه اللابدّيّة من جهة امتناع المعلول بدون علّته.
(٣) وهذا بعد الفراغ من كونها من المسائل الأصوليّة ، كما هو المعروف بين المتأخّرين. والظاهر من صاحب المعالم أنّها من المسائل الفقهيّة ، كما أنّها عند الحاجبيّ والشيخ البهائيّ من مبادئ الأحكام ، واختاره السيّد البروجرديّ. راجع معالم الدين : ٦٩ ، شرح العضدي ١ : ٩٠ ، زبدة الأصول : ٥٥ ، نهاية الأصول : ١٤٢.