ملازمة غير بيّنة ، أو بيّنة بالمعنى الأعمّ ، أو بيّنة بالمعنى الأخصّ.
فإن كانت هذه الملازمة ـ في نظر القائل بها ـ غير بيّنة ، أو بيّنة بالمعنى الأعمّ فإثبات اللازم ـ وهو وجوب المقدّمة شرعا ـ لا يرجع إلى دلالة اللفظ أبدا ، بل إثباته إنّما يتوقّف على حجّيّة هذا الحكم العقليّ بالملازمة ، وإذا تحقّقت هناك دلالة فهي من نوع دلالة الإشارة. (١) وعلى هذا فيجب أن تدخل المسألة في بحث الملازمات العقليّة غير المستقلّة ، ولا يصحّ إدراجها في مباحث الألفاظ. (٢)
وإن كانت هذه الملازمة ـ في نظر القائل بها ـ ملازمة بيّنة بالمعنى الأخصّ فإثبات اللازم يكون لا محالة بالدلالة اللفظيّة ، وهي الدلالة الالتزاميّة خاصّة (٣). والدلالة الالتزاميّة من الظواهر التي هي حجّة.
ولعلّه لأجل هذا أدخلوا هذه المسألة في مباحث الألفاظ ، وجعلوها من مباحث الأوامر بالخصوص (٤). وهم على حقّ في ذلك إذا كان القائل بالملازمة لا يقول بها إلاّ لكونها ملازمة بيّنة بالمعنى الأخصّ ، ولكنّ الأمر ليس كذلك.
إذن ، يمكننا أن نقول : إنّ هذه المسألة ذات جهتين باختلاف الأقوال فيها : يمكن أن تدخل في مباحث الألفاظ على بعض الأقوال ، ويمكن أن تدخل في الملازمات العقليّة على البعض الآخر.
ولكن لأجل الجمع بين الجهتين ناسب إدخالها في الملازمات العقليّة ـ كما صنعنا ـ ؛ لأنّ البحث فيها على كلّ حال في ثبوت الملازمة ، غاية الأمر أنّه على أحد الأقوال تدخل
__________________
(١) راجع دلالة الإشارة ، الصفحة ١٤٩ ، فإنّه ذكرنا هناك أنّ دلالة الإشارة ليست من الظواهر ، فلا تدخل في حجّيّة الظهور ، وإنّما حجّيّتها ـ على تقديره ـ من باب الملازمة العقليّة. ـ منه رحمهالله ـ.
(٢) الظاهر من كتب القدماء أنّ مسألة مقدّمة الواجب من المسائل اللفظيّة ، راجع العدّة ١ : ١٨٦ ، المعتمد ١ : ٩٣ ، معالم الدين : ٦٩.
وذهب المتأخّرون إلى أنّها من المسائل العقليّة ، إلاّ أنّهم لمّا لم يفرّدوا بابا للبحث عن الملازمات العقليّة فأدرجوها في مباحث الألفاظ.
(٣) كما قال به المحقّق العراقيّ في نهاية الأفكار ١ : ٢٦١ ، مع أنّه قائل بأنّها مسألة عقليّة.
(٤) قلنا : إنّهم لمّا لم يفرّدوا بابا للبحث عن الملازمات العقليّة فأدرجوها في مباحث الألفاظ.