ومنشأ هذا الرأي عنده (١) اعتقاده بأنّ دليل الأصل في موضوعات الأحكام موسّع لدائرة الشرط أو الجزء المعتبر في موضوع التكليف ومتعلّقه ، بأن يكون مثل قوله عليهالسلام : «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» (٢) يدلّ على أنّ كلّ شيء قبل العلم بنجاسته محكوم بالطهارة ، والحكم بالطهارة حكم بترتيب آثارها وإنشاء لأحكامها التكليفيّة والوضعيّة التي منها الشرطيّة ، فتصحّ الصلاة بمشكوك الطهارة ، كما تصحّ بالطاهر الواقعيّ.
ويلزم من ذلك أن يكون الشرط في الصلاة ـ حقيقة ـ أعمّ من الطهارة الواقعيّة والطهارة الظاهريّة.
وإذا كان الأمر كذلك فإذا انكشف الخلاف لا يكون ذلك موجبا لانكشاف فقدان العمل لشرطه ، بل يكون بالنسبة إليه من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل. فلا يتصوّر حينئذ معنى لعدم الإجزاء بالنسبة إلى ما أتى به حين الشكّ ، والمفروض أنّ ما أتى به يكون واجدا لشرطه المعتبر فيه تحقيقا ، باعتبار أنّ الشرط هو الأعمّ من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة حين الجهل ، فلا يكون فيه انكشاف للخلاف ولا فقدان للشرط. (٣)
وقد ناقشه شيخنا الميرزا النّائينيّ (٤) بعدّة مناقشات يطول ذكرها ، ولا يسعها هذا المختصر. والموضوع من المباحث الدقيقة التي هي فوق مستوى كتابنا (٥).
٣. الإجزاء في الأمارات والأصول مع انكشاف الخطأ بحجّة معتبرة
وهذه أهمّ مسألة في الإجزاء من جهة عموم البلوى بها للمكلّفين ؛ فإنّ المجتهدين كثيرا ما يحصل لهم تبدّل في الرأي بما يوجب فساد أعمالهم السابقة ظاهرا. وبتبعهم المقلّدون لهم. والمقلّدون أيضا قد ينتقلون من تقليد شخص إلى تقليد شخص آخر
__________________
(١) أي : عند صاحب الكفاية.
(٢) مستدرك الوسائل ٢ : ٥٨٣ ، الباب ٣٠ من أبواب النجاسات والأواني ، الحديث ٤.
(٣) انتهى ما أفاده صاحب الكفاية في وجه ما ذهب إليه.
(٤) فوائد الأصول ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥١ ، أجود التقريرات ١ : ٢٨٧.
(٥) وإن شئت فراجع : نهاية الأفكار ١ : ٢٤٦ ـ ٢٥٥ ، المحاضرات ٢ : ٢٥٧ ، نهاية الأصول : ١٢٩ ـ ١٣٣ ، مناهج الوصول إلى علم الأصول ١ : ٣١٧ ـ ٣٢٠.