ممّا ينبغي أن يفعل أو لا يفعل مثل «حسن العدل وقبح الظلم» ، فيسمّى إدراكه : «عقلا عمليّا» ، وإن كان المدرك ممّا ينبغي أن يعلم مثل قولهم : «الكلّ أعظم من الجزء» الذي لا علاقة له بالعمل فيسمّى إدراكه : «عقلا نظريّا».
ومعنى حكم العقل ـ على هذا ـ ليس إلاّ إدراك أنّ الشيء ممّا ينبغي أن يفعل أو يترك. وليس للعقل إنشاء بعث وزجر ، ولا أمر ونهي ، إلاّ بمعنى أنّ هذا الإدراك يدعو العقل إلى العمل ، أي يكون سببا لحدوث الإرادة في نفسه للعمل وفعل ما ينبغي ؛ إذن ، المراد من الأحكام العقليّة هي مدركات العقل العمليّ وآراؤه.
ومن هنا تعرف أنّ المراد من العقل المدرك للحسن والقبح بالمعنى الأوّل هو العقل النظريّ ؛ لأنّ الكمال والنقص ممّا ينبغي أن يعلم ، لا ممّا ينبغي أن يعمل. نعم ، إذا أدرك العقل كمال الفعل أو نقصه ، فإنّه يدرك معه أنّه ينبغي فعله أو تركه ، فيستعين العقل العمليّ بالعقل النظريّ. أو فقل : «يحصّل العقل العمليّ فعلا بعد حصول العقل النظريّ».
وكذا المراد من العقل المدرك للحسن والقبح بالمعنى الثاني هو العقل النظريّ ؛ لأنّ الملاءمة وعدمها ، أو المصلحة والمفسدة ممّا ينبغي أن يعلم ، ويستتبع ذلك إدراك أنّه ينبغي الفعل أو الترك على طبق ما علم.
ومن العجيب ما جاء في جامع السعادات ؛ إذ يقول ـ ردّا على الشيخ الرئيس خرّيت هذه الصناعة ـ : «إنّ مطلق الإدراك والإرشاد إنّما هو من العقل النظريّ ، فهو بمنزلة المشير الناصح ، والعقل العمليّ بمنزلة المنفّذ المجري لإشاراته» (١).
وهذا منه خروج عن الاصطلاح ، وما ندري ما يقصد من العقل العمليّ إذا كان الإرشاد والنصح للعقل النظريّ؟ وليس هناك عقلان في الحقيقة كما قدّمنا ، بل هو عقل واحد ، ولكنّ الاختلاف في مدركاته ومتعلّقاته ، وللتمييز بين الموارد يسمّى تارة : «عمليّا» وأخرى «نظريّا» ؛ وكأنّه يريد من العقل العمليّ نفس التصميم والإرادة للعمل ، وتسمية الإرادة عقلا وضع جديد في اللغة.
__________________
(١) جامع السعادات ١ : ٩٢.