فلا يقتضيه الظهور أبدا حتّى يثبت بأصالة العموم ، لا سيّما أنّ المعلوم من طريقة صاحب الشريعة هو بيان العمومات مجرّدة عن قرائن التخصيص ، ويكشف المراد الواقعيّ منها بدليل منفصل ، حتى اشتهر القول بأنّه «ما من عامّ إلاّ وقد خصّ» ، كما سبق (١).
وعليه ، فلا دليل من أصالة العموم على أنّ الحكم واقعيّ حتّى نلتجئ إلى الحمل على النسخ ، بل إرادة الحكم الواقعيّ من العامّ على ذلك الوجه يحتاج إلى مئونة بيان زائد أكثر من ظهور العموم. ولأجل هذا قلنا : إنّ الحمل على التخصيص أقرب إلى الصواب من الحمل على النسخ ، وإن كان كلّ منهما ممكنا.
الصورة الثالثة
إذا كانا معلومي التاريخ مع تقدّم الخاصّ ، فهذه أيضا على صورتين :
١. أن يرد العامّ قبل وقت العمل بالخاصّ ، فلا ينبغي الإشكال في كون الخاصّ مخصّصا ؛ (٢)
٢. أن يرد بعد وقت العمل بالخاصّ ، فلا مجال لتوهّم وجوب الحمل على النسخ من جهة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ؛ لأنّه من باب تقديم البيان قبل وقت الحاجة ، ولا قبح فيه أصلا. ومع ذلك قيل بلزوم الحمل على النسخ (٣) ؛ ولعلّ نظر هذا القائل إلى أنّ أصالة العموم جارية ، ولا مانع منها إلاّ احتمال أن يكون الخاصّ المتقدّم مخصّصا وقرينة على العامّ ، ولكن أيضا يحتمل أن يكون منسوخا بالعامّ ، فلا يحرز أنّه من باب القرينة. ولا شكّ أنّ الخاصّ المنفصل إنّما يقدّم على العامّ لأنّه أقوى الحجّتين وقرينة عليه. ومع هذا الاحتمال لا يكون الخاصّ المنفصل أقوى في الظهور من العامّ.
قلت : الأصوب أن يحمل على التخصيص ، كالصورة السابقة ؛ لما تقدّم من أنّ العامّ
__________________
(١) تقدّم في الصفحة : ١٧٠.
(٢) وذلك لأنّه لا مقتضي للنسخ أصلا ، وإلاّ لزم كون جعل الحكم لغوا ، وهو لا يمكن من المولى الحكيم.
(٣) والقائل هو الشيخ الطوسيّ على ما في معارج الأصول : ٩٨ ، حيث قال : «فعند الشيخ أبي جعفر يكون العامّ ناسخا ؛ لأنّه لا يجيز تأخير البيان».